تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
كتبت " سناء نصر الدين "
...فصلتنا بضعة سيارات، وخطان متوازيان على أتوستراد سريع .. أعطيت إشارة لأعبر من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، والسيارات تتراكض بجنون، من أمام ذاك الجندي الواقف في لهيب الشمس الحارق ...
وصلت ، ودون أن ننطق بسلام أو بكلام .. فقط من إيماءة...صعد إلى جانبي مع حرارة ملابسه التي استولت على برودة المكيف ..
لم أنظر إلى ملامحه ..
إلى أين ؟ سألته! وأجاب بكل تهذيب "إلى صور "
من أين تأتي ؟ " من بعلبك"
ثم أضاف: " مرضت ابنتي البارحة ولم أستطع الذهاب إلى الخدمة، بوسيلة النقل المخصص للجيش ، ومنذ أربع ساعات وأنا في الطرقات، أحاول أن أوفر كلفة الإنتقال، إذ من بعلبك إلى الكولا ٢٠٠ ألف ليرة، ومن الكولا إلى صور فقط..أيضا التكلفة ٢٠٠ألف ليرة، هذا عدا من بيتي إلى الموقف في بعلبك، ومن موقف صور إلى نقطة خدمتي في صور .. أحيانا نمشي هذه المسافات في الحر والبرد، وأحيانا يتحسن علينا أحد بتوصيلنا، أو ندفع نقل..
كنت أسمعه وأنا شاردة في مأساته، وبقية المآسي التي حلت علينا بفضل المسؤولين الكفار.. ليعود بشكواه الأقوى ألماً إلى مقاطعة يأسي .. " تركت عائلتي دون خبز ، "بيتدينو من الدكان مش مشكلة.. أمي بتعمل لبنة وبتبعتلن.. الله وكيلك ما بعرف إذا بيأمنو غداهن اليوم .. أنا لازم يكون في بجيبتي أقله ٦٠٠ ألف ليرة لأوصل على خدمتي، وقدهن لإرجع .. ولكن الحمدالله خدمتي أربع أيام .. أوقات بصرلنا ناس أوادم وبوصلونا، ومنوفر شوي، وأوقات بدنا نحط ال ٦٠٠ ألف مجبورين .."
" شكرا ستنا .. منيح اللي في بعد ناس منيحة بهل بلد " عاد ليردد ..
قاطعت ألمي وشرودي وابتسمت لأشكره وأطمئنه، بأنني سأحاول نقله إلى أقرب نقطة وصول الى مركز خدمته ..
الأهم من ذلك أنني كنت أعاني كي لا أدعه يشعر، كم من اللعنات لعنت المسؤولين والحكام والأحزاب ..
لم أدعه يشعر كم تصنّعت الهدوء وأنا أمتص معاناته ..
لم أدعه يشعر كم تمنعت عن البكاء..
وكم شعرت بالإنهيار وأنا أقود سيارتي.. وكم ضاقت أنفاسي .. وكم تمنيت أن أصبح أغنى الأغنياء لأساعد كل من أوصله غدر حكامنا إلى هذا الألم والحرمان .. جاهدت كل هذا كي أبلغ مستوى ألمه ..
نزل من السيارة شاكرا مرة ثانية .. أجبته
" نحن من يجب أن يشكرك ويتلمس الأعذار منك إذا سمحت ..ومش نحنا المناح .. إنت المنيح .. "
" إنت الآدمي وإنت المنيح وفضلك على أكبر راس وعلى أكبر مسؤول بهل بلد، لأنو كتير سيارات بتقطع عنك وما بيوقفوا قدام وجعك.. وما فرقاني معن .. وإنت حاميهن "
"إنت المنيح لأنو عم تعرض حالك لكل هل حرمان والمعاناة والوجع لتخدم وطنك وتحمينا "
"إنت المنيح لأنو كل التضحيات عم تقدمها لوطنك وأهمها جوعك وجوع ولادك.. ولأنك كل ثانية إنت مشروع شهادة بوطن ما عرف غير .. يذلك ويذلك "
"إنت المنيح والآدمي والكبير والبطل والصابر والشريف "
أتوجه بسؤال واحد مختصر للعالم عامة وإلى اللبنانيين خاصة..
ماذا حل بقلوبكم وضمائركم؟؟؟ .. هل طينتموها حتى عُزلت عن المشاعر الإنسانية كل هذا الإنعزال ؟؟ !!
وإذا كنتم قد طينتموها .. فأي نوع من الطين استعملتم، كي تصم آذانكم وتعمى أعينكم وتموت مشاعركم وتصمت ألسنتكم عن قول الحق ..
بأي نوع من الرشاوي كتمتم أنفاسكم .. !!!!!!
أجيبونا بالله عليكم ..أجيبونا..
ولكن عذرا .. أنتم لا تعرفون الله....