تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
كتبت كريستل كوزال لحود قي "Kataeb.org":
وكأن التاريخ كان يكتب لها نوعاً جديداً من الألم لم تعرفه أية أمرأة أخرى. ألمٌ عميقٌ لا يمكن ان تطفئه سنوات ولا أيام، فالأرقام غير كفيلة على محو الصوت والضجيج والرائحة والمشهد، انما هذه كلها مجتمعة، تُغرَز اكثر فأكثر ويوما بعد يومٍ في ذاكرتها التي فقدت رونق الحياة وطعمَها. قد يكون الألم احياناً غير ظاهري، او احياناً اخرى واضحاً على الوجوه، إلا ان الآلام الاكثر ايلاماً هي تلك الصامتة، التي ترسمها الدموع وتخيطها الغصّات، الآلام التي تبتعد عن الكاميرات والأقلام والتي تمتص عقاب الحياة مكتفية بقول: نشكر الله.
انها والدة جو عقيقي، السيدة نهاد التي تحدثت لموقعنا...
عامان على جريمة تفجير المرفأ وفراق جو، كيف أمضيتيهما؟
بعد عامين، الجرح لم يندمل والألم أكبر، وها هو الجرح يعاد فتحه في كل 4 آب من كل عام، ولقد اعتدت ان أعيش مع الذكريات، فأنا اتذكر مواقف عشناها معاً، أتذكر كلمات كان يقولها لي، احلاماً كان يريد ان يبنيها. في 4 آب أشعر ب "قرصة" مجدداً وان الدنيا اقفلت بوجهي.
ما هي الطريقة التي تلجأين اليها لتعوّضين هذه المرارة التي تشعرين بها؟
لم يعد أمامي سوى الصلاة، لقد نسجت علاقة روحية وطيدة من خلالها اشعر ان جو يعيش معي، ولا احد يستطيع ان يفهمها سواي لانها علاقة غير مرئية انما علاقة شخصية اكبر من ان يتصورها اي عقل، فمن خلال سبحتي التي اكرّها حبّة حبة مرت السنتان مع الم اقل ما يقال عنه انه الم عميق. واليوم في حال رأيت فراشة تطير، اشعر كأن روح جو بقربي، إن شعرت بنسمة هواء، اشعر انها حملت لي جو. انا اعلم انه موجود. ومن خلال الصلاة اشعر اني قادرة على الاعتراف بما في كياني . هناك غضب عارم في داخلي، وأنا احاول ان اسامح ولكن هذا الامر صعب جداً عليّ.
تلجأين للصلاة لتبلسمي جراحك، ماذا عن القضاء؟
طالبنا بالعدالة لكن لا احد يرد علينا، القاضي اوقف التحقيق بالقضية منذ تشرين، المطلوبون الى القضاء باتوا نوابا وانا لا زلت انتظر قرارا اقليميا لكي اعلم على اي شاطئ سيرسو لبنان. اني اطالب بالقضاء المستقل، وانا لدي لوم كبير على كل من خطط وادخل النيترات وجميع المسؤولين كانوا يعلمون بهذه الكارثة ورغم ذلك فجّروا وظلموا وقتلوا ودمّروا.
مؤخراً اندلع حريق في اهراءات مرفأ بيروت ورأينا تحركات في هذا الصدد ماذا كان موقفك؟
حريق الاهراءات مفتعل، لانه فضحهم، فهو فعلاً الشاهد الصامت. وانا اريد ان اسأل: أي شرع او دين او عرف يسمح لهم بأن يمسوا بالمدافن؟ للأسف دولتي فعلت ذلك. ان الفساد مستمر ومتفشٍّ في البلد وكل من المسؤولين يعمل على حساب مصلحته.
عقيقي: كان يقول لي دائماً "خلّي صليبي يضوّي علين كلن"
الى جانب السبحة، صليب جو الذي من خلاله تعرفتم على جثته، هل هو معك ؟
كلا، جو دفن مع الصليب، فقد كان عنقه وارما وكان لحم طري من عنقه معلقاً بالصّليب، فلم يسمح لي الطبيب ان آخذه آنذاك..... كنت انبّه جو دوما واقول له: "يا ماما فك صليبك"، يمكن ان تتم سرقتك في عملك في الاهراءات وانت نائم، وكان لطالما يقول لي: "ما تعتلي همي، خليني ضوّي علين كلّن، نحن والاهراء عيلة وحدة وما في من هالأجواء العم تفكري فيا."
كيف تصفين جو؟
لقد قام جو باكثر من فعل محبة واحد، كان مندفعا، محبا، صديقا، هو الـ dynamo، المبتسم دائماً، القوي، وهذا الذي خذلني أنه تم غدره وظُلِم. فقد كان يستطيع ان يخلّص نفسه، لو فقط قالوا له انه بامكانه ان يترك عمله يوم الانفجار، لكان عاد الى المنزل ووصل الى كفرذبيان خلال 20 دقيقة ولما كن حصل ما حصل.
ما اكثر ما تتذكرينه فيه؟ وبماذا كان يشبهك؟
كان يحب الارض مثلي ويشبهني باندفاعه، بعصبيته، بالرغبة بالكمال والسعي للافضل بكل شيء. كما كان "صبي شاطر" ومتواضع. لدي حسرة في داخلي على شبابه، على "شطارته"، احلامه، اخلاقه. ولكني في المقابل اقول نشكر الله على وجود والده وشقيقته معي، فهما السبب لكي استمر وأناضل لأقف الى جانبهما. واشكر الله ايضاً على الناس، رفاقه، كاهن الرعية، المختار، الذين لم يتركوني منذ ذلك النهار المشؤوم والذين شكّلوا لي فسحة لكي اعبّر فيها من خلالهم عما يدور في صميمي وهذا عامل اساسي لكي اصمد. فحين يغلق باب بيتي، لدينا صمت رهيب في المنزل.
عقيقي: الأسود دخل دمّي و ربنا "قطف" جو حين اغمض عينيه في 4 آب
بعد عامين على التفجير ووسط الظروف المعيشية الصعبة التي يمرّ بها البلد، هل تفكرين بالهجرة؟
كلا، لقد بت متمسكة اكثر فاكثر ببيتي وبلدي، بسبب ذكريات جو، اغراضه، حقيبته، والخارج ليس افضل من هنا. لو مهما حصل لن اترك لبنان، وانا متمسكة به لأن دماء جو هنا. جو كان متمسكا بحب الوطن والشغف ونضاله بحزب الكتائب لهو الدليل الاكبر على ذلك وكان يريد ان يكون كل شيء نموذجيا وان يكون وطنه كذلك. انا لست ممن يهربون وجو كان لا يقبل بالعادي، بل كان يريد كل شيء مميزا .
ما الذي تغيّر فيكي بعد فقدان جو؟
بل بالأحرى قولي ما الذي بقي مني، لقد انكسرت... لم يعد بيدي اي امر. اموت مئة مرة بعد خسارتي جو. لقد كنت في السابق ارتدي الاسود لأخفي عيوب جسمي، اما اليوم فقد دخل الأسود دمّي. حرقوا قلبي، نعم... انتهت حياتي والفراغ يتآكلني من الداخل. الخسارة بشعة وجو كان عمود البيت. في السابق، توفيت لي ابنة ذات ارادة صلبة، وهي بعمر الـ 4 سنوات، وبعد مرور الأعوام توفي جو وهو شاب، ومنذ ذاك اسأل ربي حين تغلق الدنيا بوجهي: "كم ضربة كف لا زالت بانتظاري؟"
ولكن بعد الموت هناك قيامة، هل تؤمنين بلقائه في ذاك اليوم؟
نعم هذا ايماني ورجائي وانا اعلم ان ربنا "قطف" جو حين اغمض عينيه ورحل. وانا كل ليلة اصلي واقول: انا اعلم ان جو في مكان جميل، بين احضان الله ومع الملائكة، وهذا ما يطمئن بالي". وانا اراه احيانا في مناماتي وهو مبتسم الوجه وضاحكاً. لقد بات همّي اليوم أن اخلّص روحي كي استطيع ان التقي به وبشقيقته يوم القيامة، وانا متأكدة انه في السماء، فيكفي انه مات ظلما في هذا البلد لكي يستقبله الله باحضانه، واقول له : "يا امي انشالله نتلاقى... انشالله".