تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
خمسة وأربعون عاماً، ولم يتوقف مسلسل القتل والاغتيالات في لبنان. آلاف الشهداء والضحايا، وكم هائل من الدمار والخراب، وما زال البعض مصرّاً على التمسّك بنظام طائفي سيّء بغيض، منع قيام وطن حقيقي، ورسّخ الإنقسام بين أبناء الشعب الواحد، وعطّل قيام دولة فعلية. وكل ذلك، لإرضاء نزوات التعصب والعنصرية المتجذرة في نفىوس هذا البعض، والتي يُتحفنا بها كل ما سنحت له الفرصة، باستذكار مآسي الماضي، ونبش تاريخ عفن، وتغذية نار الحقد والتفرقة والكراهية بين المواطنين.
يستذكر لبنان اليوم غياب المعلم، الفيلسوف، الصوفي، الثائر، الحكيم، الأديب، الشاعر، صاحب الكلمة الحرة الصادقة، والنفس الأبية، التي لم تبالِ بالموت، الشهيد كمال جنبلاط الذي اغتالته يد الغدر في ١٦ آذار ١٩٧٧. وهو القائل:
أموت ولا أموت فلا أبالي
فهذا العمر من نسج الخيالي
هي الأيام تجري في دمانا
أم الحق المكوّن ألف حالِ؟
كأنّ الشيء سفرٌ قد تبدّى
وقام الشفعُ من وتر التعالي
وكان الفرق حسّاً لا حقيقياً
وكان الأصل كلّاً في الوصالِ
وكان الحبُّ من أنسٍ وجنٍّ
هو الشوق القديم إلى المثالِ
لقد لطف الأديم فصار حقاً
وقد كثف الحقيق في الجبالِ
وجيم الخمر عنقود تراءى
بروحِ الراحِ في أوجِ الدوالي.
بدأ كمال جنبلاط ثورته باكراً جداً، ففي العام 1933 في معهد عينطورا دير اللعازاريين في كسروان، شكّل وفداً من ضمنه رفاقه؛ فؤاد رزق، كميل أبو صوان، وإميل طربيه، قابلوا الأب سارلوت وطلبوا منه وضع العلم اللبناني على برج معهد عينطورة، بدلاً من العادة التي كانت متبعة في الدير يومذاك، أي أن يرفع العلم الفرنسي أيام الآحاد والأعياد على برج المدرسة، وهكذا ارتفع العلم اللبناني للمرة الأولى.
في العام 1934 عند استقلال مصر ذهب كمال جنبلاط إلى رئيس الرهبان في مدرسة عينطورة، وطلب منه أن يعلن ذلك اليوم عطلة، احتفاءً باستقلال أول دولة عربية، وقد استجاب رئيس الرهبان لهذا الطلب.
في 5 يناير (كانون الثاني) 1949 م أسس الحزب التقدمي الأشتراكي، وكان من أبرز مؤسسيه إلى جانبه ؛ فريد جبران، وألبرت أديب وعبدالله العلايلي، وفؤاد رزق، وجورج حنا. ولكنه جعل عيد الحزب في الأول من أيار، وذلك تعبيراً عن التزامه بقضايا العمال.
تمييز كمال جنبلاط منذ نشأته بروح الثائر المفكر والتقدمي العلماني، وآمن بالتكور الإنساني، وناضل من أجل قيم الحق والعدالة والمساواة، وتحقيق الإنسانية في الأنسان.
اعتبر جنبلاط أن السياسة مسلك شريف، ومارسها بهذه الروحية، وعُرف بنزاهته وتواضعه وحكمته، ونال إعجاب واحترام الرفاق والأصدقاء، وحتى الأخصام والأعداء. نال تقدير وإعجاب المثقفين والمفكّرين وقادة كبار في العالم، وكان داعماً لقضايا العروبة، وخاصة القضية الأولى، "حق الشعب الفلسطيني في أرضه".
قاد أكثر من ثورة إصلاحية في لبنان، ووضع مشاريع قوانين عديدة؛ لتعزيز الديمقراطية والعدالة ، أبرزها قانون "من أين لك هذا" و "إعطاء المرأة حق الاقتراع"، و "البرنامج الإصلاحي للحركة الوطنية" الذي ما زال حتى اليوم، في كل ما تضمّنه من بنود، يُشكّل مطلباً أساسياً لتحقيق دولة عصرية عادلة في لبنان، وكل تلك الشعارات استعارها ثوار اليوم، وتناسى غالبيتهم من هو واضع تلك المبادىء والمطالب والشعارات.
في هذا اليوم ربما يكون كلام وليد جنبلاط هو الأكثر ضرورة: " ادفنوا موتاكم وانهضوا". لكن في خضم اليأس والوضع المأساوي الذي يعانيه الشعب اللبناني، خاصة الفقراء، الذين زاد عددهم كثيراً في لبنان، بسبب رعونة بعض السياسيين وفسادهم وغبائهم، وجشع التجار، وغياب المحاسبة، واستمرار نهج التعصب والتفرقة الطائفي والمذهبي، قد تكون كلمات الشاعر شوقي بزيع، التي قالها في يوم كمال جنبلاط، هي الأكثر تعبيراً عن مشاعر الناس ومحبي كمال جنبلاط.
أظنُها طلقاتُ الغدرِ حين هوَت
تكاد لو ابصرَت عينيك تعتذرُ
كانَّما أمةٌ في شخصك اجتمعَت
وانتَ وحدَك في صحراءِها المطرُ
ارضُ الخسارةِ يا لبنانَ هل رجلٌ
يُعيد للناسِ بعدَ اليومِ ما خَسِروا
على المناديلِ من أوجاعِه عبَقٌ
وفي المواويل من احلامِه قمرُ
طال ارتِحالكَ ما عوّدْتَنا سفراً
أبا المساكين فارْجِعْ نَحنُ ننتَظِرُ.