تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
مراسل «رؤيا» في الضفة يتحدث لـ«الدستور» من على خط المواجهة
#الثائر
الدستور- نوف الور
يعيش ككثيرٍ من زملائنا الابطال في فلسطين، على خط المواجهة او على «خط النار» ان جاز التعبير، ففي فلسطين لا يستطيع الاعلامي أو الصحفي الحر أن يكون محايدا، فهناك خياران لا ثالث لهما «إما أن تكون فلسطينيا، أو ان تكون فلسطينيا»، وبهذين الخيارين فقط تبرز انسانيتك وتتجسد عروبتك، هكذا تحديدا وصف ضيف حوار الدستور نفسه وزملاءه.
حافظ ابو صبرا مراسل قناة رؤيا في الضفة الغربية، ليس مراسلا عاديا، هو اقرب أن يكون حجارة الاطفال، ودعوات الامهات، وصبر الرجال الرجال، وعنفوان شباب فلسطين المحتلة، كان عطر الارض المسلوبة الذي يفوح في الاردن خلال عمله الميداني، كان صورة الفلسطينيين الاحرار، لم يكل يوما من حديثه عن «البلاد»، فجعل كل من حوله يعشقون فلسطين وان لم يروها يوما، واخذ في حقيبته هذا الحب ليتكلل به غارا عندما لملم سنوات عمله في الاردن، وعبق ياسمين جبل اللويبدة عائدا الى حضن نابلس الام، ليكمل مسيرته الاعلامية التي فاقت عقدا من الزمن.
ابوصبرا خص الدستور بحوار تاليا نصه:
** الدستور: لمن لا يعرفك، من هو حافظ أبو صبرا؟
- أبو صبرا: انا حافظ محمود أبو صبرا، مواطن فلسطيني وأعمل مراسلًا صحفيًا، مولود في مدينة نابلس، كان لوفاة والدي بعمر صغير الأثر الكبير في تشكيل شخصيتي المغامرة والمحبة لهذه الارض، تعلمت من والدتي الاجتهاد، تزوجت من صحفية حقيقية تكاد تكون أستاذتي وانجبنا طفلتين لا أظن أن يومي يمكن أن يستمر دون صباحٍ مع وجه كل منهما، الكبيرة مريم اسميتها على اسم جدتي التي علمتني أهمية التراب، وكرمة أسمتها والدتها لارتباطها بكروم الوطن المحتل.
اعمل اليوم مراسلًا ميدانيًا لقناة رؤيا الاردنية في الضفة الغربية، أجول مدنها وقراها ومخيماتها باحثًا عن رواية الناس وعن صمودهم فألتقط حبهم للأرض زادًا يعينني على استكمال الدرب.
** الدستور: عملت مراسلا لسنوات في الأردن.. ما اجمل ما مررت به.. وما الأصعب؟
- أبو صبرا:عملت عدة سنوات في الاردن، كان لرؤيا النصيب الاكبر منها مراسلا ومحررًا ومعدًا لنشرات اخبارها، من اجمل ما مررت به خلال هذه الفترة الحظوة الكبيرة بين زملائي الاردنيين وكأنهم يشتمون من خلالي رائحة الارض التي ولدت وكبرت فيها ويحبونها مثلما أحببتها دوماً، واحد من اجمل ايامي كان تغطيتي الخاصة لتمرين تعبوي ميداني للجيش العربي على الواجهة الشمالية في المنطقة الحدودية مع سوريا في كانون الثاني من العام 2015 وهذا الترحاب الذي لقيته من كل من كان موجودا في المكان من أول نقطة حدودية وحتى انتهاء التمرين، فور رؤيتهم لجواز سفري الفلسطيني، كنت ازداد يقينًا بمدى حب الشعب الاردني لفلسطين.
اصعب ايام العمل في الاردن كان حتما يوم الاعلان عن استشهاد الطيار معاذ الكساسبة على يد افراد عصابة داعش، كان يوما عصيبا مليئا بالضغوطات والحزن والألم والصدمات، كان يوما لن انساه، مشاهد الصدمة على وجوه الزملاء في استديوهات رؤيا فور نشر بيان الناطق باسم القوات المسلحة الاردنية تمام السابعة وعشر دقائق، لن تمحى من ذاكرتي، كانت لحظات قاسية.
** الدستور: عندما غادرت عمان متوجها لفلسطين.. ماذا حملت معك؟
- أبو صبرا: حملت معي دفء الكثير من المنازل التي احتضنتني على امتداد مساحة المملكة، من اربد والرمثا والسلط والبلقاء ومادبا والكرك والطفيلة، حملت معي جمال اللويبدة التي كنت أسكنها ولا زالت تسكنني، فنجان قهوة لم يغب عني ولا ليلة واحدة طيلة فترة وجودي في عمان قرب دوار عبدون، حملت معي حب الاردنيين لوطني فلسطين، والذي شاهدته في عيون الالاف وسط البلد بالعاصمة عمان وقرب مسجد الكالوتي وامام مجمع النقابات المهنية طيلة فترة العدوان على قطاع غزة في رمضان من العام 2014، حملت معي بساطة الاردنيين وكرمهم وطيبة قلوبهم وحبهم لكل من يحمل رائحة الوطن السليب الذي لم يسكنوه ولم يحملوا جنسيته لكنهم يحبونه كما أحبوا أردنهم بعزمه.
** الدستور: في ظل تسارع التكنولوجيا وسباق مواقع التواصل الاجتماعي اين يقف الاعلام المهني اليوم؟
- أبو صبرا:في ظل انتشار صحافة المواطن، بات التحقق من الخبر هو القادر على كشف مهنية الصحفي من عدمها، الانسياق خلف الاشاعات هو النفق الذي يقع فيه الصحفي غير المتمرس، المهنية لا تعني الموضوعية، هناك قيم اخرى يجب على الصحفي العمل لاجلها، الانسانية والحفاظ على السلم الاهلي وعدم الانجرار وراء جمع المشاهدات والشهرة وعدم الركض نحو السبق الصحفي هي العوامل التي تحكم عمل الصحفي ومصداقيته اليوم، قد يتأخر الصحفي في نشر ما لديه من معلومات عن زملائه قليلًا لكنه ربما بذلك يكون اكثر دقة في ايصال معلوماته. فيما يتعلق بالصحفي الفلسطيني قد يكون من غير المهني الوقوف في صف الضحية، لكنني دوما ما أقول في قضية الفلسطيني لا حياد إما ان تكون فلسطينيا أو ان تكون فلسطينيا، ليس أمامك خيار آخر لتبرز انسانيتك أولًا وعروبتك وفلسطينيتك ثانيًا.
** الدستور: وانت اعلامي مواكب للأحداث على الساحة الفلسطينية منذ أكثر من عقد..كم هو مهم دور الهاشميين في الوصاية على المقدسات الاسلامية والمسيحية ؟
- أبو صبرا: بعد ما يقارب 12 عامًا من العمل في الاعلام بين فلسطين والاردن، صار واضحا وجليا الدور الاردني المحوري فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية لتأثير الدور الاردني في الاقليم والمنطقة ككل، ما يتعلق بوصاية الهاشميين على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، فإن هذا الدور يبرز اليوم أمام التحديات التي يواجهها المسجد الاقصى خصوصا في ظل مخططات تهويده وتقسيمه والسيطرة عليه.
** الدستور: كيف يستقبل الفلسطينيون المواقف الاردنية الشعبية تجاههم.. وموقف جلالة الملك عبد الله الثاني على وجه الخصوص؟ وما اثر ذلك على صمودهم؟.
- أبو صبرا: اعتقد بحسب مشاهداتي بأن جلالة الملك عبدالله الثاني هو اكثر الزعماء العرب الذين يحظون بحب الفلسطينيين، شاهدت الكثير من المنازل التي تضع صورا له في صالاتها، والعدد الكبير من المركبات التي تضع صورته طيلة الوقت، كما ان الاغاني الوطنية الاردنية سمة واضحة في المجتمع الفلسطيني، فالمواقف الاردنية وتصريحات الملك تحظى برضى كبير في الأوساط الشعبية ويتغنى بها الفلسطينيون دوما.
**الدستور: صف لنا اكثر المواقف خطورة في عملكم وانتم في خط المواحهة اليومية مع الاحتلال؟ وكيف تصف تغطياتك الأخيرة في بيتا؟
-أبو صبرا: الفلسطيني بشكل عام في كل يوم يتواجد على خط المواجهة مع الاحتلال سواء اندلعت مواجهات مباشرة أو كان يمارس حياته الاعتيادية بالتنقل من مكان لآخر، لكن الصحفي بشكل خاص يعيش خطرًا مضاعفًا عند تغطيته لجرائم الاحتلال على اختلافها، واحد من أبرز المواقف التي شعرت فيها بخطورة كبيرة على حياتي، عندما حوصرت مع ثلاثة زملاء آخرين في منطقة ضيقة قرب مدخل مستوطنة بيت ايل على المدخل الشمالي لمدينة البيرة، حيث كانت المواجهات مندلعة بين جنود الاحتلال والشبان الفلسطينيين، في ذلك اليوم تعرضنا لاطلاق وابل كبير من قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية وبشكل مباشر، كنا نحتمي باحدى المركبات التالفة وبقينا على تلك الحالة لوقت طويل، واستخدمَنا الاحتلال في ذلك الوقت كدروع بشرية للاحتماء بنا من حجارة الشبان.
في بيتا كانت التغطية مختلفة عن ما اعتدنا عليه في مختلف المناطق التي امتازت بتفعيلها سلاح المقاومة الشعبية، كانت البلدة عن بكرة أبيها لا تنام ولأيام طويلة، وكنا مضطرين لمواكبة الاحداث هناك على مدار الساعة، لاكثر من تسعين يومًا لم يمر يوم من دون زيارة بيتا، صرت واحدًا من أهلها، وشاهدًا على صمودهم كما شهادتي على كرمهم واهتمامهم بكل القادمين من خارج البلدة لتغطية هذه الحالة النضالية التي تكرست وارتبطت بالبلدة الواقعة جنوب نابلس، كنا نحزن مع كل اصابة ونتألم مع كل شهيد ونتوتر مع كل حالة اعتقال جديدة، فرحنا مثل البيتاويين عندما اخلي المستوطنون ونتمنى مثلما يتمنون ان تفكفك البؤرة الاستيطانية ويعود جبل صبيح لأصحابه.
**الدستور: لو سنحت لك الفرصة بالعودة الي عمان.. اين ستأخدك الذكريات؟
- أبو صبرا: كنت مرتبطًا بشكل كبير بمنزلي الصغير في اللويبدة، لي هناك من الذكريات ما يحتاج الكثير من الوقت لأحكيه، كان شاهدًا على لحظات كثيرة كنت على وشك الاستسلام وحمل حقيبتي والعودة لمنزل والدتي في نابلس، اليوم وانا اسكن نابلس ومرت سنوات طويلة لو عدت لعمان فساعود لمنزل اللويبدة، أو لربما أعود الى المدينة الاعلامية فقد شهدت هي ايضًا على الكثير من لحظات الانتصار عندما كنت انجز مهامي ولربما اكثر مما هو مطلوب؛ لأنني كنت أعي بأن العمل في الاعلام الاردني فرصة لا تتاح للكثيرين وستحملني لأعلى اكثر واكثر.
المصدر: https://bit.ly/33ahNPf