تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
سأروي بأمانة وأترك الحكم لكم
دخلت إلى غرفته المتواضعة، حييته كعادتي، وردَّ كعادته بابتسامة، والرضا بادٍ على محيّاه، و «تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ الزائرِ صَدَقَةٌ». جلست قربه وبعد الإطمئنان قلت : سألني أحدهم : ألا ينزعج المرء من الإساءة ؟؟؟ وكيف له أن يتداركَ ذلك؟.
تبسّم وقال: يُحكى أن راهباً كان يتردد كل يوم إلى بائع، يشتري منه حاجاته، يدفع ثمنها ويشكر البائع ويذهب. وكان البائع كلما دخل الراهب إلى دكّانه يشتمه بأقذع العبارات . وذات يوم دخل الراهب إلى الدكّان وكان برفقته صديقه، فشتمه البائع، لكن الراهب لم يكترث بل كعادته اشترى حاجته ودفع ثمنها وشكر البائع وانصرف ، فذُهل صديقه وقال له: لقد شتمك فكيف تشكره ولا تأخذ موقفاً منه؟
رد الراهب : لا عليك فهو يفعل ذلك كل يوم ، فليسامحه الله، وأنا أرفض أن أكون ردة فعل ، فكل شخص يُقدّم ما عنده، والمَثل يقول: «الإناء ينضح بما فيه»
ليس على المرء أن يسمح بأن يجعل نفسه أسير الغضب، فهذا يقوده إلى الكراهية والحقد، وإن السلوك مرآة تعكس صورة الإنسان.
فالله كريم ويُحب الكرام ومعالي الأخلاق، ولا يُحب سفاسفها، فسفاسف الأمور هي توافهها التي تُنبئ عن الخِسّة والدناءة وعدم المروءة .
علينا أن لا نسمح للآخرين بجرِّنا إلى بؤرة الأحقاد، بل علينا أن نحاول رفعهم منها، وأخذهم إلى رحاب المحبة والتلاقي . فكل امرءٍ يلقى عمله، وكما جاء في القرآن الكريم «تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَت» .
فرِحت في قرارة نفسي بما سمعت، وقلت : نحن نعيش في مجتمع قَلّ فيه الحكماء ،وكثُر فيه الغرور والجهل، وطغت الأنا على النفوس ، وبات التعصّب ديناً، والغايات تُعمي الأبصار، وإذا دخل الشخص الذي يرى بين مجموعة من العميان، الذين يستهدون طريقهم بالعصي، فسوف يؤذونه بعصيهم بلا شك، لكنه هو لن يفعل ذلك لهم، لأنه يرى ويهتدي بعقله. وهذا يحدث ليس بين عُمي البصر بل عندما يسير المرء بين عُمي البصيرة أيضاً.
هذا مقتطف من حديث صباحي جميل مع الشيخ الروحاني الجليل ابو يوسف أمين الصايغ، خرجت بعده لأجد جمهوراً غفيراً ينتظر في الخارج بالكاد شققت طريقي بينهم للانصراف، جأوا من عدة مناطق في زيارة للتبرك وإلقاء التحية عليه.
فصرت أفكر ، كم نحتاج إلى الحكمة والتبصّر، للارتقاء بسلوكنا مع الآخرين، قبل الحكم عليهم بالغضب وردات الفعل.