تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
ظافر مراد
يحدث في وطننا ما لم ولا يحدث في أية أوطانٍ أخرى، كل القيم والمفاهيم الراقية والممارسات السياسية والعناوين الجذّابة للمواقف المتقدمة، لا تعدو كونها عملية خداعية يغلب عليها الطابع الدعائي الوضيع، أمام هول المعاناة التي يتكبدها الشعب اللبناني، هذا الشعب الذي يتعرض لأشد عمليات التغيير القسري في القيم والثقافة والمباديء الاجتماعية والسياسية، يجد نفسه عاجزاً عن القيام بأي عملية تغيير للواقع الذي فرضته الطبقة السياسية عليه، بالرغم من العنوان الكبير والبراق للنظام السياسي اللبناني، تحت شعار الديموقراطية والنظام البرلماني.
يبدو في الحقيقة أن هذه الديموقراطية بطبيعة ممارستها، هي أسوأ من أعتى الدكتاتوريات في التاريخ، فكل ما هو منضوٍ تحت قبّة هذا النظام السياسي الفريد من نوعه في الممارسة والتطبيق، هو في الحقيقة ديكتاتورية وفاشية مقنّعة، فالخيارات المفروضة لا تصنّف في الأساس كخيارات، وقوانين الانتخاب المشبوهة لا تعطي المواطن فرصة الاختيار والتغيير، والهيكليات الأمنية المستجدة بكافة مكوناتها الشرعية وغير الشرعية، أودت بالأمن وأسقطته إلى غير رجعة، والقضاء الخجول والمهذب ليس قضاء، والإعلام بوجود الجيوش الإلكترونية أصبح فسحة للشتائم والتخوين والتهديد وليس لحرية التعبير، ورجال الدولة لم نعد نعرفهم سوى في كتب التاريخ.
كان لبنان فسحة الحرية التي كادت أن تكون وحيدة في هذا الشرق القاتم، وكان نظامه السياسي يعتبر الأفضل من الناحية النظرية، وهذا كان قبل أن يأتي سحرة مشعوذون تلاعبوا بتفاصيله وأدخلوا عليه بدعاً غير مسبوقة، فالجلاد هو نفسه، ينتخب نفسه، ثم ينصّب نفسه حاكماً، ويأخذ على عاتقه دون غيره مراقبة ومحاسبة نفسه، مختزلاً إرادة الشعب في إرادته هو نفسه.
لعن الله والشعب ديموقراطيتكم الواهية الكاذبة، خذوا ديموقراطيتكم التي أطاحت بحرياتنا، وقوقعتنا في الحاجات والغرائز البدائية، ديموقراطيتكم التي سرقتم بها اموالنا ومنحتموها لأولادكم وأنسبائكم ليتمتعوا بها في الخارج، وليتعلموا ويعيشوا رخاء الحرية والقيم الإنسانية الحقيقية، هناك حيث يقبع من تسمونه الشيطان الأكبر، خذوا ديموقراطيتكم النجسة وأعطونا نظاماً ديكتاتورياً أو ملكياً يمنحنا عدالة في توزيع الثروات، يقدّم فرص متساوية للجميع، يجعل الدولة فوق كل اعتبار، يدافع ويفرض الأمن من خلال مؤسسة عسكرية واحدة وواحدة فقط، يعيد لنا شعور الرهبة بهيبة الدولة، ويزيل شعور الخوف من المكونات الإرهابية المشبوهة والعميلة، نظاماً تقوده نخبة وطنية حقيقية متفوقة أخلاقياً وعلمياً، لديها رؤية في مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وليس هدفها تحقيق مخططات تاريخية عقيمة وفاشلة.
لم تعد العناوين الكبيرة للأنظمة السياسية هي الضمانة للكرامة والحرية وتطور الشعوب والبلدان، بل إن الضمانة تكمن في أخلاقيات الحكام وكيفية مقاربتهم للمسائل الحساسة الأساسية، وأخذ القرارات الشجاعة التي يجب أن تليق بمركزهم، وليس اللجوء إلى التسويف وما يسمى تدوير الزوايا، إن الركائز الحقيقية لبنيان الدولة، هي ركائز صارمة وحادة لا تقبل أي إنحناءة أو تدوير، فكل تدوير فيها سيؤدي إلى دحرجتها نحو الهاوية والمجهول.