تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
ينام اللبنانيّون على مصيبة ويستيقظون على مصيبة أفجع. ولم تكد تمضي الذكرى الأولى على تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب حتّى تمّ تفجير خزّان وقود في التليل، القرية العكّاريّة، أمس، فراح ضحيّته أكثر من عشرين قتيل وأكثر من مئة جريح. هذا في التّوصيف. أمّا ما يؤلم أكثر من هول الحادثة فهو التوظيف السياسي الذي بدأته المنظومة بتراشق للإتّهامات. ألم يحن بعد الوقت ليتعلّم اللبنانيّون مدى قذارة هذه المنظومة وأسيادها فيقتلعونهم اقتلاعًا ليرتاح لبنان وأرواح الشهداء الذين تسبّبوا بسقوطهم؟
المعيب فيما حصل كيف سارع الوزير باسيل وفريقه السياسي إلى الغمز من قناة عكّار بوصفها إرهابيّة متطرّفة بأهلها، "صارت خارج الدّولة بسبب عصابات المحروقات" وطالب بضرورة "إعلان عكّار منطقة عسكريّة حماية لأمنها ولكلّ أهلها." لكأنّ هذه المنطقة خارج لبنان فيما القاصي والداني يعلم أنّ عكّار هي الخزّان البشري للجيش الوطني. وتضحيات أهلها تعتبر الأكبر ليبقى لبنان وطنًا لأبنائه جميعهم.
واستعر الخلاف أكثر فأكثر بين التيارين الأزرق والبرتقالي على خلفيّة ملكيّة صاحب الأرض وملكيّة الخزّان الموضوع فيها والذي تمّ تفجيره أو انفجر، بانتظار نتائج التحقيق لبناء على الشيء مقتضاه. حتّى تمّ الوصول إلى المستشفى التركي في صيدا المتخصّص بمعالجة الحروق والذي ما زال مقفلا حتّى يومنا هذا برغم تلقّيه المساعدات من الدولة التركيّة. وذلك لخلافات سياسيّة داخل البيت الصيداويّ.
ذلك كلّه من دون وضع الإصبع على الجرح الحقيقي النّازف. وأعني هنا حقيقة أزمة المحروقات، حيث لا يمكن التّغاضي هنا عن العفن الذي ضرب هيكل الدّولة. التزامًا من هذه المنظومة باحترامها خطّ سير المنظّمة المسلّحة ومحورها الفارسي- السوري. لذلك من المفترَض إيقاف التهريب قبل مداهمة الخزانات المخزّنة لدى بعض التجّار المحلّيين. ففي حال إقفال الحدود وإيقاف التهريب لا يعد هنالك أيّ حاجة لتخزين أيّ ليتر من المحروقات. لكن في هذه المسألة أسباب سياسيّة تكمن وراء الإلتزام الذي أخذته على عاتقها هذه المنظومة بخطّ سير المنظّمة، أي ح ز ب الله.
كذلك راحت القوّات اللبنانيّة إلى المطالبة باستقالة رئيس الجمهوريّة مع علمها المسبق باستحالة تحقيق هذا المطلب، لكن هذه مطالبة مبدئيّة لأنّه رأس المنظومة الفاسدة والاصلاح يبدأ من رأس الهرم لا من قاعدته. وتشكيل الحكومة المكلَّف تشكيلها الرئيس الثالث ميقاتي سيبقي الأمور في نصابها على قاعدة أنّه لا يمكنك صناعة أيّ شيء جديد بأدوات قديمة. لذلك يبقى الحلّ بإعادة إنتاج سلطة كاملة بالانتخابات النيابيّة.
ولا يخطئنّ أحد بالتقدير في نتائج الانتخابات لأنّ المزاج العام للشارع اللبناني مجتمعًا بات في مكان آخر. وهذا ينبئ حتمًا بتغيير جذري في نتائج الانتخابات والتموضعات السياسيّة. وهذا ما ترجِم في أكثر من مكان لا سيّما في ضغط النّاس لتشكيل حكومة اختصاصيّين ممّا أبطل إرادة المنظومة بتشكيل حكومة سياسيّة. وليس آخرها إسقاط جلسة العار التي كان من المفترَض أن تشكّل مهربًا لهذه المنظومة من سلطة القضاء.
وهذا كلّه يؤشّر إلى أنّ هذه المنظومة ستذهب أكثر إلى تصعيد لإيمانها المطلَق بقدرتها على البقاء لو على حساب دماء الضحايا. فالرئيس وفريقه السياسي مرتاحان لإدارة البلاد بوساطة المجلس الأعلى للدفاع الذي يديره فخامته. فما الحاجة إذًا لحكومة تأخذ هذه العطيّة منه؟ وح ز ب الله مرتاح إلى التعطيل لا سيّما بعد التغيير الذي بدأ يلمسه في مزاج بيئته الحاضنة بعد الأصوات المعترضة التي تعالت مؤخّرًا.
لذلك الوضع مرشّح إلى المزيد من التعطيل واستمرار الأمور على ما هي عليه لا سيّما وأنّ الرئيس المكلَّف صرّح بأنه ليس مستعدًّا الاستمرار بالتكليف إلى ما لا نهاية. إلا إذا قرّر الرئيس ميقاتي إحداث صدمة إيجابيّة باستيلاد حكومة على هجانتها، تكون قادرة على إدارة الأزمة بتلقّف كرة نار رفع الدّعم والبنك الدّولي وإيقاف التهريب. وهذا مستبعد لكنّه ليس مستحيلا. فالقليل القادم من الأيّام كفيل بإظهار ذلك كلّه. إلا إذا توحّدت الصفوف الشعبيّة كلّها نحو مطلب واح هو إسقاط هذه المنظومة باجتثاثها. وعندها فقط يتحقّق الهدف على قاعدة المثل اللبناني :" ما بيحكّ جلدك غير ضفرك." فهل سيجرؤ اللبنانيّون حيث لم يجرؤوا بعد 14 آذار 2005 إلا مرّة في فرحة لم تكتمل في 17 تشرين 2019 لا سيّما وأنّ الجلاد معروف وضحاياه ما زالوا هم هم منذ قرابة الأربعة عقود وحتّى اليوم؟