تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ، إن الرئيسين عون والحريري يتحملان مسؤولية فشل المبادرة الفرنسية، وإن العناد والأنانية والخلافات الشخصية بينهما عطلت التسوية، وأشار إلى أن جميع المسؤولين بدأوا يعملون للانتخابات النيابية، محذراً أن الدخول في آتون الطائفية خطر جداً.
و من وجهة نظر أحد المراقبين، فإن ما حصل يدل أن الحريري تبلّغ من القاهرة الجواب السعودي النهائي بالرفض لتشكيله الحكومة، فعاد وتوجه فوراً إلى بعبدا حاملاً تشكيلة وزارية معدّة مسبقاً، جاءت بمثابة تشكيلة رفع عتب وتنصّل من مسؤولية التعطيل، وكان يعلم أنها لن تلقى قبول الرئيس عون، خاصة أنها لا تتطابق مع ما كان قد اتُفق، عليه لجهة توزيع الحقائب السيادية وتسمية الوزيرين المسيحيين.
تمنى الحريري على الرئيس إعطاء جواب على التشكيلة خلال ٢٤ ساعة، وكأنه كان يخشى أن يوافق الرئيس عليها فيتم إحراجه، وصعد في اليوم التالي إلى بعبدا، ووفق مصادر القصر رفض أي تعديل في تشكيلته الوزارية التي قدمها، وعندما أصرّ الرئيس على النقاش وإجراء بعض التعديلات، خرج الحريري واستعجل إعلان اعتذاره عن التكليف.
ربح الرئيس عون وفريقه بإخراج سعد الحريري ومنعه من تأليف الوزارة، وأثبت لأول مرة بعد الطائف أنه لا يمكن للمجلس النيابي أن يُسمّي رئيساً للحكومة لا يرضى عنه رئيس الجمهورية، فهو من سيوقع مرسوم تشكيلها، ويمكنه بذلك احتجاز أي تشكيلة إلى أن ييأس رئيسها المكلف ويعتذر عن التأليف.
أما الحريري الذي حرق مراحل الساعات الأخيرة، فقد قدم عملاً ضعيفا في السيناريو والإداء والإخراج، ولم ينجح في إقناع اللبنانيين أنه كان يسعى بجد لتشكيل الحكومة، بل ظهر في مقابلته التلفزيونية مع مريم البسام عبر قناة الجديد كمن تخلص من عبء كان يُثقل كاهله، وقادت البسام الحوار إلى أقصى حدود الإحراج وسدّت على الحريري منافذ الهرب والتهرب، فبدا مربكاً ومتناقضاً، ولم يستطع إخفاء تأثير خلافاته الشخصية، أكان مع الرئيس عون وجبران باسيل أم مع السعودية على تشكيل الحكومة، معترفاً أنه في هذا الوقت حتى لو شكّل حكومته لما استطاع أن يُنقذ البلاد من حال الانهيار، وجُلّ ما كان يمكن أن يفعله هو التحضير للانتخابات النيابية وإجرائها في موعدها، وربما وقف تدهور سعر صرف الليرة، وبعض الاصلاحات البسيطة.
كان الحريري صريحاً فالوقت المتبقي للحكومة قبل الانتخابات قصير جداً ولا يتيح اجتراح المعجزات، خاصة أن الوضع قادم على مزيد من التأزّم وأحداث ستطيح بأي حكومة، مهما حاولت أن تخفف من هول الكارثة، والمح إلى ذلك بالقول: لقد استنفذوا الدعم، والدولار اصبح ٢١٥٠٠ليرة، وأزمة الكهرباء لن تُحل غداً وسعر المحروقات سيرتفع أكثر ، والدواء مفقود، والبنوك شبه مفلسة. واعترف بأنه بات مقتنعاً بأنه لا يمكن التفاهم مع الرئيس عون والتيار الوطني الحر.
وألقى الحريري باللوم والمسؤولية في التعطيل على رئيس الجمهورية وتياره، الذي ما زال متمسكاً بالثلث المعطّل في الحكومة وتسمية الوزيرين المسيحيين، معتبراً أن هذه بدعة لم تكن موجودة في تشكيلة ال ١٨ وزيراً التي قدمها سابقاً، وختم الحريري: لن أشكل حكومة عون، لأنني لا أستطيع معها أن أنفذ الاصلاحات المطلوبة لإنقاذ البلد.
أزمة الحكومة المقبلة:
نعم إنها كرة النار التي لن تجد من يتلقفها، ورغم إعلان قصر بعبدا أن الرئيس سيحدد موعداً قريباً للاستشارات النيابية لتسمية رئيس جديد للحكومة، لكن في الحقيقة هي فرحة قد لا تكتمل لفريق الرئيس عون، فإبعاد الحريري بهذه الطريقة شكّل استفزازاً لمشاعر الكثيرين في الطائفة السنية، وبهذه الطريقة ربح الحريري تعاطفاً شعبياً، لن يخسره بتسمية رئيس جديد للحكومة، ولا بالمشاركة مع عون في أي حكومة مقبلة قبل الانتخابات.
ربح عون معركة إبعاد الحريري عن رئاسة الحكومة، وربح الحريري معركة استنهاض الشارع السني، لكن الخاسر الأكبر هو لبنان ، الذي سيدفع شعبه ثمن هذه المناكفات مزيداً من الغلاء وانهيار سعر صرف العملة الوطنية، والفوضى والسرقات والدموع والدماء.
بالرغم من تداول اسم الرئيس نجيب ميقاتي لترؤس الحكومة المقبلة، كبديل يمكن أن يحظى بدعم وموافقة سعد الحريري، لكن أوساط مقربة منه قالت ل«الثائر» أنه غير متحمس للأمر، وسيشترط على الجميع إعلان موافقتهم على حكومة اختصاصيين وفقاً للمبادرة الفرنسية قبل قبوله التكليف، وهو يعلم أن هذه الحكومة ستأكل من رصيده أكثر مما يمكن أن تقدم له، خاصة ونحن على أبواب الانتخابات النيابية، التي فُتحت معركتها بعناوين طائفية شرسة، حيث يحاول فريق رئيس الجمهورية التمسك بمظهر الرئيس القوي المدافع عن صلاحياته وحقوق المسيحيين، فيما جعل الحريري معركته معركة تثبيت لدور السنّة في الحكم، من خلال لعب دور رئيس الحكومة القوي أيضاً. ورغم أنهما الفريقان الأكثر عرضة للخسارة في الانتخابات القادمة، فهما يلجأن إلى الاستثمار في شد العصب الطائفي، وتوظيف خلافاتهما السياسية في قالب المذهبية وحقوق الطوائف.
تحتاج الحكومة المقبلة كي تتشكل إلى فريق من الانتحاريين، وفي ظل مقاطعة المستقبل وقوى سياسية عديدة، قد لا تتشكل الحكومة أبداً، وسيستمر تصريف الأعمال ربما إلى نهاية العهد، فحتى الانتخابات النيابية ليست مضمونة الإجراء في موعدها، وقد تكون ظروف الإنهيار الاقتصادي والفوضى القادمة، كفيلان بتبرير إلغائها والتمديد للمجلس الحالي لمدة سنتين، وهذا السيناريو ليس بعيداً عن رغبة وتمنيات بعض الأحزاب والقوى السياسية، خصوصا تلك التي باتت مقتنعة بخسارتها لعدد من المقاعد في أي انتخابات قادمة.
وباختصار شديد يمكن القول أن لبنان دخل النفق المظلم بانتظار ضوء خارجي قد تُسفر عنه مفاوضات فيينا وما بعد النووي الإيراني.