تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
في ظل اشتباك سياسي حاد بين القوى والأحزاب اللبنانية، أوصل البلاد إلى حالة غير مسبوقة من التدهور المالي والاقتصادي، وغياب المعالجات، والاصطدام الحكومي بجدار التعطيل الباسيلي، المبني على صخرة عناد الرئيس ميشال عون ورغبته في إسقاط سعد الحريري وإبعاده عن الحكم، دعا الاتحاد العمالي العام إلى إضراب، تحت عنوان المطالبة بحكومة إنقاذ وطني.
بعد تبادل اتهامات التعطيل بين بعبدا - وبيت الوسط، انتقل التراشق بالبيانات إلى جبهة بعبدا - عين التينة، وبدا واضحاً أن الرئيس عون وفريقه يخوضان معركة كسر عظم، ولا يريدان التراجع أبداً، فالمسألة باتت أبعد من وزارة أو وزير ، وأصبحت تتعلق بالمستقبل السياسي للتيار الوطني الحر، خاصة أننا دخلنا مرحلة العد العكسي للانتخابات النيابية في ربيع العام القادم، والتي يبدو حتى الآن أنه سيكون من الصعب تأجيلها أو إلغائها.
لم يبق أمام الجميع في ظل انسداد أُفق الحل الحكومي سوى التهديد باستخدام الشارع، فلوّح باسيل باللجوء إلى الاستقالة من مجلس النواب، وفعل تيار المستقبل الشي عينه، لكن سرعان ما تراجعا عن ذلك بعد إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله معارضته الانتخابات النيابية المبكرة، فكانت دعوة الاتحاد العمالي إلى الإضراب والتظاهر هي المخرج ، للضغط على العهد ودفعه لتقديم التنازلات.
سرعان ما أيّدت النقابات وبعض الأحزاب السياسية الدعوة إلى الإضراب، باعتباره سيكون يوم غضب شعبي حاشد، حذّر رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر، أصحاب المؤسسات من الضغط على العمال ومحاولة منعهم من المشاركة في الإضراب .
هي المرة الأولى منذ ١٧ تشرين ٢٠١٩ التي تدعوا فيها الأحزاب اللبنانية للإضراب والتظاهر، فطيلة الفترة الماضية كانت الاحتجاجات تقتصر على جماعات ثورة ١٧ تشرين الرافضين لكافة أحزاب ورموز وقوى السلطة. ثم توقفت احتجاجات الثوار وباتت هزيلة جداً بعد أن فشلوا في توحيد صفوفهم حول قيادة واحدة، أو مشروع إنقاذي واضح، ودخلت على خطهم بعض القوى والأحزاب، وتلاعبت ببعض المتكلمين باسم الثوار، ليتبين سريعاً أن هؤلاء مجرد أدوات وأصحاب طموحات شخصية بالوصول إلى منصب نيابي أو وزاري، ولا يحملون أي مشروع حقيقي للإصلاح، وهم فقط يستغلون عواطف الناس ونقمتهم على المسؤولين، آملين في الحصول على أصواتهم في الانتخابات القادمة، لعلهم بذلك يحققون أحلامهم بالحصول على مقعد نيابي.
أظهر مشهد الأمس أن الأحزاب اللبنانية ليست في وضع أفضل من حالة ثوار ١٧ تشرين . فبالمقارنة مع حشود هذه الأحزاب ومهرجاناتها الشعبية قبل الانتخابات الماضية، لا بد أن نلاحظ الفتور الحاصل في العلاقة بين قيادات الأحزاب وجمهورها، الذي اعتاد أن يلبي النداء ويملأ الساحات . هزيلة جداً حشود الأمس، وهي إشارة فشل ذريع لقيادات الأحزاب في لبنان، وتعبير واضح عن مدى سأم وتململ القواعد الشعبية من سلوك وتصرف الأحزاب اللبنانية، على مختلف مذاهبها ومشاربها.
لقد تغيّر المزاج الشعبي بكل تأكيد،
وهذا بدا واضحاً في احتجاجات الأمس، وستكون الأحزاب اللبنانية أمام اختبار صعب في الانتخابات القادمة، وإذا لم يستدرك بعضها الوضع القائم وينزل من قصره وعليائه وتعاليه، ويسير بين صفوف الشعب، ويسمع شكواهم وهمومهم، ويجسد مطالبهم ويمثّل صوتهم بحق وصدق وثبات، سيخيب ظنه وأمله بتحقيق الفوز، كما خيّب ظن الشعب به وبوعوده.
في انتخابات عام ٢٠١٨ ورغم أن الشحن المذهبي بلغ أقصاه، لم تستطع الأحزاب دفع المواطنين إلى المشاركة في الاقتراع، وبقيت النسبة بين ٣٠ و ٤٠٪ ولم تبلغ النسبة العامة ٤٩٪ لولا المشاركة المرتفعة في مناطق نفوذ حزب الله وحركة أمل. وهذا التراجع يأخذ اليوم منحىً تصاعدياً لأسباب عديدة، أولها مسؤولية هذه الأحزاب مجتمعة عن الانهيار الذي أصاب البلد، وثانياً ترهّل هذه الأحزاب وخطابها السياسي، الذي لم يعد يُقنع المواطنين، إضافة إلى ضعف القيادات الحزبية وعدم مرونتها وقدرتها على التواصل والإقناع، خاصة مع جيل الشباب، الذي نراه فاقداً للثقة بدور الأحزاب وقياداتها الراديكالية، والأهم بنظره أنها بغالبيتها مؤسسات مذهبية سلطوية غير ديمقراطية.
لقد فشلت الأحزاب اللبنانية في زمن السلم، لأنها انجرفت في سياسة المحاصصة والتقوقع المذهبي، وبنت علاقتها مع المناصرين على قاعدة الزبائنية وتقديم الخدمات، ولعبت دور «الدكنجي» فهي تبيعهم الخدمات مقابل الحصول على أصواتهم في الانتخابات، وعندما تعجز عن بيعهم الخدمات تفقد أصواتهم . إن هذا التخلي عن الدور الوطني الريادي في قيادة الجماهير وبناء دولة القانون والمؤسسات، التي تحفظ حقوق وكرامة المواطنين، جعل الأحزاب اللبنانية أشبه بشركات مساهمة، تحكمها المصالح الخاصة بدلاً من الفكر السياسي والعمل المشترك لبناء مجتمع أفضل.
ما حصل في الأمس يُشكّل إشارة واضحة إلى حجم الأزمة التي يعاني منها ليس هذا النظام الطائفي اللبناني فقط، بل وجميع الأحزاب، التي لن تكون حصص الإعاشة التي تقوم بتوزيعها الآن، كافية إطلاقاً لتجديد ثقة المواطنين بها ، ولا حتى لاستمرارها في الحكم . لقد بدأت علامات التغيير في الظهور، وإن اللبيب من الإشارة يفهم.