تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
تخوض النائب العام في جبل لبنان القاضي غادة عون معركة مالية، كانت قد بدأتها ضد الصرافين، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ووصلت أخيراً إلى مداهمة مكاتب الشركة المسؤولة عن نقل الدولار الورقي من وإلى لبنان لصاحبها ميشال مكتّف، خصم التيار الوطني الحر في السياسة، وصاحب جريدة نداء الوطن.
ضربت عون في الوقت المناسب، فخطوتها تلقى ترحيباً شعبياً لدى كل التواقين لمحاسبة مرتكبي الجرائم المالية ، وكشف أصحاب عمليات تهريب الأموال إلى الخارج، خاصة السياسيين منهم وأصحاب المصارف ورؤوس الأموال وكبار المودعين.
في الوقت الذي طرح فيه الرئيس ميشال عون التدقيق المالي الجنائي كأولوية، جاءه الرد من جميع الأطراف، وفي مقدمهم رأس الكنيسة المارونية، أن الأولوية هي لتشكيل حكومة أخصائيين، تكون قادرة على إنقاذ البلاد. فقدّمت غادة عون الورقة الرابحة للرئيس وللتيار الوطني الحر، الذي دعم خطوتها شعبياً، بالهجوم على شركة مكتّف، بناءً على معلومات عن تهريب الشركة مبلغ بقيمة ٩ مليار دولار إلى قبرص وسويسرا، منذ ثورة ١٧ تشرين وحتى اليوم.
قابل النائب العام التمييزي ومجلس القضاء الأعلى، وبدعم من بعض القوى السياسية، خطوة غادة عون بقرار كف يدها عن الملف، وإحالتها إلى التفتيش القضائي. وحاول البعض تحويل المعركة إلى مواجهة سياسية طائفية ، متجاهلاً عدة أمور أساسية، وضعت القضاء ومن خلفه من سياسيين في صورة المدافع عن مافيا المال والفساد أمام الشعب اللبناني، فتم طرح السؤال الأبرز وهو: إذا كانت عون تلاحق من ارتكب جرائم مالية بحق لبنان وشعبه، فلماذا يتم كف يدها في محاولة للتستّر على هذه الجرائم، وإعفاء مرتكبيها من الحساب ؟
هل يجهل النائب العام التمييزي غسان عويدات، أن غادة عون بصفتها كنائب عام في جبل لبنان، ليست هي من يُصدر الحكم النهائي على المجرمين، بل مهمتها تقضي بالاستقصاء وكشف الأدلة وتقديمها للقضاء، والإدعاء على المخالفين أمام القاضي المختص، الذي يعود له وحده إجراء المحاكمة، وإصدار الحكم؟
وإذا كان يعلم عويدات ومجلس القضاء الاعلى ذلك وهم يعلمون طبعاً، فلماذا يريدون منع عون من كشف الجرائم المالية، وتقديم الأدلة والإدعاء على المرتكبين وفقاً للقانون؟ .
لقد ارتكب من اعترض على خطوة القاضي غادة عون خطأً كبيراً في السياسة وفي القانون ، وقدّم ورقة رابحة لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، الذي بعد أن راحت تتراجع شعبيته، إثر الأخطاء العديدة التي ارتكبها رئيس التيار جبران باسيل وبعض المقربين منه، أكان على الساحة المسيحية ومحاولاتهم إلغاء الآخرين داخلياً، أم على الصعيد الوطني في مخاصمة قوى أساسية كحركة أمل والأشتراكي وتيار المستقبل، أم على الصعيد الخارجي في انحيازه إلى جانب المشروع الإيراني والنظام السوري، الذي سبب له الخصام مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية تحديداً.
فبعد أن تمت محاصرة جبران باسيل بالعقوبات الأمريكية والتهديد الفرنسي بعقوبات أوروبية، وتحميله مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة المنتظرة، جاءت خطوة غادة عون لتقدم له جرعة دعم، أحيت نبض التأييد له، في الشارع المتلهف لكشف الفاسدين والمتلاعبين بسعر صرف العملة الوطنية وتهريب الأموال ومحاسبتهم، وتحوّلت هذه القضية إلى قضية رأي عام، ينقسم الناس حولها إلى قسمين: قسم يريد كشف المرتكبين وفضحهم أمام الرأي العام ومحاسبتهم، حتى ولو تجاوزت القاضي عون القواعد القانونية، وتمردت على قرار كف يدها. وقسم آخر يريد التغطية عليهم، بحجة مخالفة الأصول القانونية من قبل القاضي عون، وهذه حجة ضعيفة شعبياً طبعاً، ومن الطبيعي أن ترجح الكفة لصالح من يريدون المحاسبة.
ادّعت شركة مكتّف أن كامل المعلومات موجودة لدى مصرف لبنان، ولهذا رفضت تسليم الداتا.
حصلت «الثائر» اليوم على معلومات مفادها أن شركة مكتّف عمدت إلى محاولة تغيير الداتا والتلاعب بها، عن طريق «الهاكر» وذلك بعد أن حصلت عليها القاضي غادة عون، ولكن الشركة لم تنجح في ذلك، لأنه تم إفراغ قسم كبير من داتا المعلومات الموجودة في الأجهزة المصادرة، وقد بيّنت المعلومات، حصول عمليات نقل أموال، قام بها بعض البنوك منذ بداية العام الحالي، لصالح ثلاث شخصيات سياسية وبعض المصرفيين.
تعلم القاضي عون أن القانون اللبناني هو نظام رأسمالي حر، ويسمح بحرية تحويل ونقل الأموال إلى الخارج وفق قواعد قانونية ثابتة، وبالتالي لا يمكن محاسبة وملاحقة من قام بتحويل أمواله إلى الخارج، لكنها تراهن على أمرين:
الأول: هو المسؤولية الأخلاقية، وانكشاف البعض ، خاصة من السياسيين وأصحاب المصارف، أمام الرأي العام والشعب اللبناني، وتحميلهم مسؤولية معنوية في تهريب أموالهم، والتسبب في ازدياد الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد.
الثاني: هو احتمال وجود اختلاف بين المعلومات الموجودة في الداتا لدى الشركة، وتلك التي قدمتها الشركة إلى هيئة الرقابة في مصرف لبنان، وإذا ثبت هذا الأمر، ستكون عون قد حققت ضربة مزدوجة: الأولى كنائب عام نزيه وشجاع واجه مافيا المال والسياسة دفاعاً عن حقوق الشعب، وهذا سيرفعها إلى مصاف الأبطال الوطنيين. والثانية سياسية، في إظهار فريق الرئيس عون والتيار الوطني الحر، بمظهر الحريص على محاسبة الفاسدين وملاحقتهم مهما كانت الصعاب، في حين سيظهر المعترضون على هذه الخطوة في خانة الخونة، والمتستّرين على سرقة مال الشعب. أما إذا فشلت في ذلك ، فستبقى تكسب بعض الشهرة والتعاطف الشعبي، كقاضٍ لم يقف مكتوف الأيدي، بل حاول ولو قبل إحالته على التقاعد، كشف المتلاعبين في عمليات تهريب الأموال ، وانهيار سعر صرف الليرة.
لقد تنبه بعض السياسيين الأذكياء والقضاة إلى هذه الحقيقة، ويقولون أنه من الحكمة طبعاً ،عدم الاعتراض على خطوة غادة عون من منطلق سياسي، بل الطلب من كافة قضاة النيابة العامة، إجراء استقصاءاتهم اللازمة، ومتابعة تحقيقاتهم، وتقديم الأدلة للقضاء، الذي سيعطي الفرصة للمتهمين للدفاع عن أنفسهم، وتقديم دفوعهم، ويكون عليه بعدها إصدار الأحكام النهائية، بالإدانة والمحاسبة، أو البراءة. فلبنان يحتاج إلى قضاء نزيه، وقضاة شرفاء يطبّقون القوانين، والقضاء يحتاج إلى إثبات صلاحيته في حفظ الأمانة والدفاع عن مصالح الشعب والدولة، في مواجهة الفاسدين، أياً كانت طائفتهم أو انتمائهم السياسي.