تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
==خاص "الثائر"===
في الزّمن الأوّل للحضارة الكنعانيّة، وفي " أورمِلتو" المدينة الواقعة على الساحل الشرقي للمتوسّط؛ التي تشتهر بمرفئها الذي تؤمّه السفن من الأصقاع الأربعة، بنى "نصروتوخ" البحّار الكنعاني مملكته في ضاحيتها الجنوبيّة ورهن نفسه للفرس، فمنّوا عليه بالمنّ والسلوى مقابل أن يسلِمَهم مفتاح مدينته، لما فيها من خيرات في البشر والحجر والطبيعة. ولتحقيق غايتهم هذه زوّدوه بمجانيق ضخمة بحجّة دكّ أسوار بيبلوس، المدينة المنافسة بمرفئها لمدينته، إضافة إلى مئة ألف رمح من أغصان شجر "العرعر"، الشجر الأشهر في إقليم " خراسان" الفارسي. إلا أنّه حضّ قومه هناك على الرّضوخ والتعامل مع البيبلوسيّين. فكانوا خير مثال في العمالة والاستزلام.
والمفارقة أنّ " نصروتوخ" الكنعاني لم يستخدم أيّا من مناجيقه لدكّ أسوار " بيبلوس"، أو رماحه لقتل أبنائها، بل استخدمها ذريعة ليحمي صغار النّفوس، والخونة من أبناء مدينته " أورمِلتو"، بحجّة أنّ :" البيبلوسيّين سيقتلونكم بغزو جماعي". حتّى صار "نصروتوخ" الحاكم بأمره في مدينة " أورمِلتو". فوضع يده على مرفئها والعنابر الموجودة فيه. ولمّا قام العالم الكنعاني"نوبيليس" باختراع مادّة كيميائيّة متفجّرة، اختطفه رجال"نصروتوخ" في ليلة ليلاء ورموه في أقبية ضاحية "أورملتو" الجنوبيّة، واجبروه على تصنيع متفجّرات لضرب " بيبلوس". فانكبّ " نوبيليس" الكنعاني على عمله حتّى بلغت الكمية المصنّعة 2750 طنًّا من المواد المتفجّرة؛ وبإيعاز من " نصروتوخ" الطاغية تمّ تخزينها في العنبر رقم 12 في مرفأ " أورمِلتو".
لكنّ الحرب الدّائرة في مدينة "دِمِشْقُ" التي تعرف أيضًا ب :"قاعِدَةُ الشَّأْمِ"، حيث سُمِّيَتْ باسم بانيها "دِمْشاقَ بنِ كَنْعانَ"، أو "دامَشْقَيوسَ" الطاغية الذي قرّر إبادة شعبه المتمرّد على طاغوته، فاستعان بصديقه "نصروتوخ" الذي أهداه اختراع " نوبيليس" عالم "أورمِلتو"، فانكبّ برميها على شعبه بالمجانيق الفارسيّة؛ فقتل منهم أكثر من النصف، ومعظمهم من الأحرار الذين قادوا ثورة في "دمشق" لتحريرها منه.
وبعدما تنامى الخبر في " دمشق" ووصل إلى أسماع الثوّار الأحرار في " أورملتو"، دبّ الذعر في قلوبهم، وطالبوا رئيس مدينتهم": نمرود بن غفيان" بمداهمة العنبر 12. فما كان به إلا أن تغاضى عن الأمر لأنّه يخشى من جبروت " نصروتوخ" الذي قوّضه بورقة تفاهم، وقّعاها معًا على مذبح الاله " بعل" كي يحفظ كلاهما أمانة هذا الاتّفاق. وأوكل إلى قاضية من بني غفيان، قومه الأعزّاء، بمداهمة منازل الأورملتونيّين الذين خزّنوا بعض أكياس القمح تحت ذريعة أنّهم يخزّنون القمح في أقبيتهم خوفًا من المجاعة القادمة، ما ترك الأسواق خالية خاوية من أيّ حبّة قمح.
وفي يوم حارٍّ من شهر "أبي" الذي يعني بحسب التقويم الكنعاني : " شهر جمع الفاكهة"، وفي ساعات الظّهيرة لمّا وصلت الحرارة إلى ذروتها، اشتعلت رزمة من القشّ اليابس كانت متروكة من قبل عمّال المرفأ، فوصلت ألسن النّار إلى العنبر 12. ولمّا تسارع رجال الإطفاء في مدينة " أورملتو" إلى إخماد الحريق، انفجر العنبر 12 وأودى بحياتهم جميعًا ودمّر الجزء الشرقي من المدينة، وسقط أكثر من مئتي جريح، وتشرّد أكثر من ستّة آلاف من سكّان المدينة.
وفي تصريح أوّلي لنمرود، رئيس المدينة، اعترف بأنّه على علم بموجودات العنبر 12، لكنّه لم يتّخذ أيّ إجراء لمداهمته. فما كان من الأورملتونيّين إلا أن اتّحدوا جميعهم واتّجهوا نحو قصره الرابض على إحدى التلال، وعندما علم نمرود بقدوم الثوار، ولمّا كانت الساعة قد قاربت الثامنة مساء، هبّ هاربًا بلباس نومه، ورمى نفسه على أوّل سفينة وهرب إلى بلاد الفرنجة، طالبًا اللجوء من أبناء شعبه.
بينما " نصروتوخ" الذي نقل "نوبيليس" إلى مخازن ضاحيته الجنوبيّة وأهراءاتها التي ملأها بالمواد الأوليّة التي استوردها من خراسان ودمشق، انكبّ يصنّع ويصنّع من مادّته المتفجّرة. وفي ليلة ليلاء، لمّا كان "نصروتوخ" يغطّ في نوم عميق، وعندما أدرك "نوبيليس" فداحة ما اقترفته يداه، أشعل النّار في نفسه وارتمى في مخزن موادّه المتفجّرة التي انفجرت بالكامل مطيحة معها بمملكة "نصروتوخ" الذي سقط قتيلا كما كان هو نفسه السبب لسقوط الآلاف من القتلى.
ولمّا كان معنى اسم المدينة، مدينة " أورمِلتو"، يعني: "مدينة الكلمة"، ولما فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. وكُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ. عاود " الأورملتونيّون" بناء مدينتهم كما ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وعادت منارة لمحيطها كلّه. أمّا الطواغيت الذين قتلوا أهلهم وناسهم فماتوا بأعمالهم، وعلى يدي أهلهم وناسهم الذين أهلكوهم. وبقيت "أورملتو" وبقيت الكلمة فوق كلّ شيء لأنّها كانت قبل كلّ شيء.