تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
تعليقاً على المؤتمر الصّحفي لوزير التّربية المستقيل الدكتور طارق المجذوب كتبت ندى عويجان تقول:
- القطاع التربوي أشبه بسفينة في مهب العاصفة، ركّابها أكتر من نصف المجتمع اللبناني، يقودها قبطان هاوٍ، والخسارات لا تعوّض.
- في التوقيت، تأخّر معاليه ثمانية أشهر على إطلاق خطّة العام الدّراسي الحالي، ولربما كان من المستحسن أن يطلق اليوم خطّة العام الدراسي المقبل.
- في المضمون، لم نفهم المستجدّات المطمْئِنة للعودة "التجريبيّة" الآمنة إلى المدارس، أليس الوزير نفسه الذي أعلن الأضراب عن التّعليم منذ فترة ؟
- كلنا نريد أن يعود الأولاد إلى المدارس، ولكن بطريقة آمنة وأن يجروا امتحانات رسميّة عادلة، وكلّنا نعي حجم الخسارة التربويّة ونعي خطورة بقاء اولادنا في المنازل،
- في ظل التفاوت في عمليّة التّعليم والتعلّم، ومع الوضع النفسي للتّلامذة، ومع تقليص المنهج التربوي إلى الرُبع، أي إمتحانات رسميّة ستكون شكليّة ومُجْحِفة وهدر للمال العام، وستفقد الشّهادة الرّسمية مستواها وقيمتها، ولن تعبّر عن المستوى التعليمي الحقيقي.
- لا يوجد جهوزيّة للتعليم المدمج، لا من ناحية مقومّات ومستلزمات التعلّم عن بعد، ولا من ناحية تحسين وتأمين الأمكانيّات الوقائيّة في التّعليم الوجاهي.
أولاً: التوصيف العام للوضع
كل شي تعقّد وأصبح خارج عن السيطرة. الوضع النقدي، الإقتصادي، السّياسي، الأمني، الإجتماعي، الصّحّي، البيئي، التّربوي وغيرهم.
- البطالة تضرب جميع الفئات وجميع القطاعات، والنّاس تهاجر "بالجّملة" لأنّها فقدت الثّقة بالطّبقة السياسيّة، وبقدرتها على إدارة وحل الأزمات... لم يبقَ في الأفق ولا فسحة أمل، ولا بصيص حلحلة.
- الوضع النفسي العام لم يَعد يُحْتَمل... ضغط، كبت، خوف، رعب، تخوين، عدم استقرار... وعدّاد كورونا ما زال مستمراً. منذ بداية الجائحة حتى اليوم، بلغت عدد الإصابات الإجماليّة أكثر من 500 ألف وعدد الوفيّات أكتر من 6,7 ألف، ويقدّر عدد المصابين الحاليّين بأكثر من 82 ألف.
- الوضع التربوي ليس بأحسن حال. هو أشبه بسفينة في مهب العاصفة، ركّابها أكتر من نصف المجتمع اللبناني، يقودها قبطان هاوٍ، والخسارات لا تعوّض.
- مرّ عام كامل على وزارة تربية مستقيلة من وظيفتها، يائسة في تصرّفاتها، وقفت تتفرّج على خسارة عامين دراسيين وهي في حالة الغيبوبة، تتخبّط بقرارات تعسّفيّة إستنسابيّة متناقضة، وتبني قصور الأوهام في الوعود والخطط والإنجازات، لتستفيق اليوم، من نوم عميق وتدعو إلى الإمتحانات الرّسمية والعودة الحضوريّة الى المدرسة. وهي بذلك، ودون أن تدري، تسهم في تفشّي الوباء وإدخاله إلى كل بيت.
- رُميت كامل المسؤوليّة على كاهل المعلّمين والمدارس والأهل والتّلاميذ، دون أي نوع من أنواع المساعدة والدّعم، في حين كان يمكن للقيادة التربويّة أن تكون أكثر تواضعاً وحكمةً وحنكةً وموضوعيّةً وتحمّلاً للمسؤوليّة واستماعاً لأصحاب الإختصاص والخبرة والمعرفة ... في رسم الصّورة العامّة، وتحديد الأهداف، ووضع الخط الإجرائيّة ومتابعتها وتقييمها.
ثانياً: التعليق على المؤتمر الصّحفي
وبعد الاستماع إلى المؤتمر الصحفي لوزير التربية المستقيل، وعرضه لخطة العودة الآمنة إلى المدارس وكل ما يتعلّق بالإمتحانات الرّسمية، نبدي الآتي:
في التوقيت: تأخّر معاليه ثمانية أشهر على إطلاق خطة إنقاذ العام الدّراسي الحالي، التي كان من المفترض إطلاقها، في أكثر تقدير، في آب 2020. ولربّما كان من المستحسن أن يطلق اليوم خطّة العام الدراسي المقبل 2021-2022. هل كان من المفترض أن ننتظر نهاية العام الدراسي لنفكّر بالحلول ونستعرض الخطط الإنقاذيّة. ألا يعلم معاليه أن العام الدّراسي اقترب من خواتيمه ؟
إنّها لَمجزرة تربويّة أن تكون الموارد البشريّة والماديّة متوفّرة منذ العام الفائت، ونقف مشكّكين ومكتوفي الأيدي. في حين كان الوضع أقل ضرراً لو استعملنا أموال الهبات والقروض المتوفّرة، للمصلحة التّربويّة والصحّيّة والصحّيّة النفسيّة العامّة، وووحدنا الجهود لتأمين جهوزيّة بداية العام الدّراسي الحالي، للتعليم الحضوري والتعليم عن بعد، من النواحي الصحيّة والتّربويّة والنفسيّة والتّدريبيّة واللوجستيّة والتكنولوجيّة. مع الإشارة أنه سبق وأرسلنا لمعاليه، بين شهري آذار وآب 2020، عدة إقتراحات ومشاريع خطط كاملة ومتكاملة حول متطلّبات التّعليم المدمج (الحضوري والعن بعد) لجهة تحديد الأسس العامة للمقاربة، وتحديد التّدريبات والمستلزمات والمقوّمات الأساسيّة للتعلّم عن بعد وللتعليم الحضوري والعودة الآمنة إلى المدارس في بداية العام الدراسي الحالي. ولكن دون جدوى... حتى يطل اليوم، وبعد أكثر من عام كامل، ليسمعنا ما كنّا سمعناه منه العام الفائت.
في العودة الآمنة والإمتحانات الرّسميّة
1- حدد معاليه موعد "العودة الحضوريّة" إلى المدارس، وهذا أشبه بالعودة "التجريبيّة" "ليبنى على الشيء مقتضاه"، فإن الخطّة المبكّلة حدّدت تاريخ العودة ولم تحدّد تاريخ نهاية العام الدراسي. وكأنّنا في لعبة حظ.
2- علّل معاليه قرار العودة "بتوصية لجنة كورونا". أليست اللجنة التي نصحت بتعليق التعلّم المدمج منذ عدّة أشهر، هي نفسها التي تنصح بالعودة إليه اليوم ؟ أليس الوزير نفسه الذي أعلن الأضراب عن التّعليم منذ فترة هو الذي يدعو إلى العودة إليه اليوم ؟ ما هي المستجدّات المطمْئِنة للعودة الآمنة إلى المدارس، لجهة جائحة كورونا أو لجهة التّدابير الوقائيّة الصحيّة الجديدة في المدارس ؟ هل تطوّر الفيروس ولم يعد يُنْتَقل إلى الإداريين والأساتذة والتّلامذة وذويهم، أم أنّنا أصبحنا في مرحلة مناعة القطيع ولا نعلم؟ وكيف سيتم مواجة هذا الفيروس عندما سيدخل إلى كل ّ بيت دون استئذان؟ ومن سيتحمّل المسؤوليّة؟
3- تكلّم معاليه عن "المحافظة على مستوى وقيمة الشهاداة الرّسمية". فكيف لذلك أن يحصل ونحن نمتحن التّلامذة بربع المنهج التّعليمي. فبعد تقليص المنهج مرتين، وتحديد مواد إلزاميّة ومواد إختياريّة، بقي ما يقارب ربع المنهج ليمتحن التّلميذ على أساسه ؟ وهذا يجعل من الإمتحانات شكليّة ومُجْحِفة، ويخلق ارباكاً في تعليم وتعلّم بعض المواد لدى التّلامذة والأساتذة.
ربما لا يعلم معالي الوزير أنّ المناهج اللبنانيّة، رغم حاجتها الى التجديد، هي منظومة متكاملة. وإن أي إجراء بخصوص وضع مواد الزاميّة ومواد اختياريّة، لتقليد المناهج الأجنبيّة، له محاذيره التربويّة السّلبيّة. إذ أنّ مناهج 1997 غَير مُصَمَّمة لهذا الطرح الذي سيفقد الامتحانات الرّسميّة قيمتها ودورها التّربوي. وقد يتحوّل هذا الإجراء الاستثنائي إذا ما اتّخذ، إلى عُرف عند التّلامذة و/أو الأساتذة، وقد يقلّل عندهم من شأن بعض المواد وأهمّيّتها ودورها في بناء شخصيّة المتعلّم المتكاملة في هذا الفرع أو ذاك. إضافةً أن بعض المواد قد تكون سببًا لنجاح بعض التّلامذة أو رفع معدّلاتهم وتقديراتهم في الامتحانات الرّسمية. مع الإشارة أنّه سيصعب مقارنة مستوى نتائج هذه الإمتحانات مع سابقاتها. وهذا الإجراء يجعل من الإمتحانات شكليّة ومُجْحِفة.
4– تكلّم معاليه على "مبدأي العدالة والمساواة". فكيف للإمتحانات الرّسمية أن تُجرى بعد كل ما حصل من تفاوت في العمليّة التعليميّة التعلّميّة؟ أين كانت العدالة والإتاحة والفرص المتكافئة بين التّلامذة والأساتذة مع تفاوت الدعم المعنوي والمادي والمتابعة والتدريب والآداء الفعّال، مع تفاوت عدد أيّام الدراسة، مع تفاوت توفّر الأنترنيت والكهرباء والتجهيزات، مع تفاوت توفّر الأدوات والموارد التربويّة الرقميّة، مع تفاوت توفّر المنصات الإلكترونيّة مع تفاوت توفّر العودة الآمنة الجديّة إلى المدارس وغيرها الكثير.
ربّما لا بعرف معاليه أنّ التّلامذة لم يتابعوا جميعهم الصّفوف الدراسيّة، وليس كل من استطاع المتابعة فهم الشرح. ولم يستطع الأساتذة جميعهم اتّباع طرق التّعليم المناسبة، ولم يستطيعوا جميعهم إيصال الكفايات المطلوبة ولم يحصلوا جميعهم على الأدوات والموارد التربويّة والمستلزمات نفسها. فعلى أي أسس من العدالة والمساواة ستُبنى الإمتحانات الرّسميّة ؟ وهذا أيضاً يجعل من الإمتحانات شكليّة ومُجْحِفة.
5- تكلّم معاليه عن "وضع التّلميذ النّفسي". ولكنّه لم يتنبّه لغياب أي حوافز ودوافع للتخفيف من تداعيات هذا الوضع وتدعيم الصحّة النفسيّة عند التّلامذة، وهذا من مسؤوليّات سلطة الوصاية. وقد يُعتبر الإمتحان الرّسمي نقطة محوريّة واستحقاق أساسي في حياة التّلامذة، مما يزيد من الضغط النفسي عندهم وعند أهلهم ومعلّميهم في حال حصل.
ألا يعلم معاليه أن التّلامذة يمرّون بوضع نفسيّ حسّاس ومتفاوت من شخص إلى آخر، يؤثّر على الإنتاجيّة في التّعليم والتّعلّم وبالتالي على التّحصيل التّعلمي: شيخوخة مبكرة، إنعزال، قلق، خوف، إحباط، كآبة، أفكار سلبيّة، خيبة، استهتار، تكاسل، خمول، تغيير في سلّم القيم، تشتيت أفكار وقلّة تركيز، ابتعاد عن حب التعلّم. وكل هذا يجعل من الإمتحانات، في حال حصلت، شكليّة ومُجْحِفة.
6- اهتمّ معاليه بالسّابق "بتجميد الإنفاق"، واعتماد "مبدأ التّطوّع". ألا تُعتبر كلفة الإمتحانات الرّسمية في ظل الظروف الإقتصاديّة المتدهورة، والتفاوت في عمليّة التّعليم والتعلّم، والوضع النفسي للتّلامذة، ومع تقليص المنهج التربوي إلى الربع، تفوق بكثير المردود التربوي لهذه الإمتحانات الرّسمية التي خلت من أهدافها ومن مضمونها ؟ ألن تعكس بالتالي نتائج مغلوطة غير معبّرة للتحصيل التعلمي الحقيقي إذا جرت هذا العام ؟ أليست الإمتحانات الشكليّة والمُجْحِفة، على هذا النحو، هدر للمال العام ؟
7- تكلّم معاليه عن "تقليص جديد للمناهج". وفعلاً لقد اجتمعت في الأسابيع الماضية لجان مشتركة، أجرت تقليص على التقليص الذي أُعلن عنه في بداية العام الدراسي. ألا يعلم معاليه أنّه من غير المناسب الإعلان في منتصف شهر نيسان عن تقليص جديد، وأنّ الأمر سيخلق ارباكاً لدى التّلامذة والأساتذة.
8- وأخيراً تكلّم معاليه عن "تأمين 60 ألف تابليت للتّلامذة ومساعدات ماديّة للمدارس الرّسمية والخاصّة". ولكنّه، وبغض النّظر عن التبريرات التي ذكرها، سبق ووعد في الماضي عن مساعدات عدّة لم نرَ منها شيئاً، فلماذا سيتغيّر الوضع اليوم؟ إضافة إلى ذلك، ألا يعلم معاليه عن وجود أكثر من مليون تلميذ، وأكثر من 100 ألف معلّم وأكثر من 2.8 ألف مدرسة في القطاعين الرّسمي والخاص؟ ألم يكن يعلم معاليه عن توفّر هبات وقروض، منذ العام الفائت وقبله، لمصلحة القطاع التّربوي، فاقت 300 مليون دولار أميركي، كان بالإمكان استثمارها لتأمين العدالة والمساواة بين التّلامذة واللأساتذة؟
أسئلة وأسئلة تُطرح ... ولكن ما من رقيب ولا من حسيب ...
ثالثاً: في الخاتمة
"بلا ما نزايد على بعض"
كلنا نريد أن يعود الأولاد إلى المدارس، ولكن بطريقة آمنة وأن يجروا إمتحانات رسميّة عادلة،
وكلّنا نعي حجم الخسارة التربويّة ونعي خطورة بقاء اولادنا في المنازل. وانعكاس هذه الظّاهرة على نموّهم المتكامل وعلى وظائف المدرسة السياسيّة والوطنيّة والاجتماعيّة والاخلاقيّة والتّثقيفيّة-التربويّة والنفس-إجتماعيّة والاقتصاديّة والتغييريّة.
يكفينا تنظير واستعطاف فضفاض، ولنكن واقعيين في وصفنا للمشكلة، ولنتحمّل مسؤوليّة تقاعسنا وفشلنا... غياب التّقييم والمحاسبة أوصلانا إلى هذا التّخبّط وهذه النتيجة.
1- لا يوجد جهوزيّة للتعليم المدمج، لا من ناحية مقوّمات ومستلزمات التعلّم عن بعد، ولا من ناحية تحسين وتأمين الأمكانيّات الوقائيّة في التّعليم الوجاهي لعودة آمنة وصحّيّة للتّلامذة والأساتذة.
2- أي إمتحانات رسميّة في ظل التفاوت في عمليّة التّعليم والتعلّم، وفي ظل الوضع النّفسي للتّلامذة، ومع تقليص المنهج التّربوي إلى الربع، ستكون شكليّة ومُجْحِفة وهدر للمال العام وستفقد الشّهادة الرّسميّة مستواها وقيمتها ولن تعبّر عن حقيقة المستوى التّعليمي.
3- فقدت "القيادة التّربويّة" مصداقيتها نتيجة التخبّط لأشهر عديدة بقرارات وإجراءات استنسابيّة وارتجاليّة وشعبويّة. صحّة اولادنا وأساتذتنا مش لعبة حتى نشوف و"نبني على الشيء مقتضاه".
4- في هذه المرحلة، لا ينفع سوى الوعي الفردي والمبادرات الخاصّة في الاحتياط واتخاذ التدابير الوقائيّة.
على أمل أن تتشكّل حكومة الإنقاذ قريباً، وأن تتغيّر المعادلات. وأن نتحضّر للعام الدّراسي المقبل وأن نستلحق ما فاتنا من الكفايات الحياتيّة والعلميّة.