تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "**
لم تعد أزمة لبنان محصورة بمكافحة جائحة كورونا، وتأمين اللقاحات، أو الخلاف على مقعد وزاري ، أو عدد وزراء الحكومة، أو الانتخابات النيابية الفرعية ، أو إقالة حاكم مصرف لبنان والانتقام منه ، أو من غيره من الموظفين. لقد بات لبنان يواجه ثلاثة أخطار كارثية، قد تنسف وجوده بشكل كامل، وتجعل مصيره كمصير سفينة «التايتنيك» الغارقة على أنغام رقصة الموت الأخيرة لركابها، وفقاً لتوصيف رئيس مجلس النواب نبيه بري.
لا شك أن الخطر الأول هو اقتصادي، فحجم الأزمة التي تستفحل كل يوم، في ظل غياب كامل للسلطة، وجشع التجار، واستباحة المهربين للحدود وتفلّتهم من أي رقابة، وبلطجة المصارف ، ومضاربات الصرافين، وحالة الخوف والهلع لدى المواطنين الذين فقدوا ثقتهم بهذه الطبقة السياسية بالكامل، كل ذلك بات يُنذر بالتحوّل إلى النموذج الفنزويلي، لجهة انهيار كبير لسعر العملة الوطنية، يؤدي إلى تفشّي الفقر والجوع والفوضى، فيزول لبنان الدولة، ليسود بعد ذلك منطق الأمن الذاتي في كل منطقة وقرية وحي .
الخطر الثاني: هو ما سمعناه بالأمس عن عودة الإرهاب، ومحاولات دخول عناصر من داعش إلى لبنان، فهذا الخبر ليس عابراً في هذا الوقت بالذات، خاصة مع الكلام عن عودة آلاف المقاتلين من ليبيا إلى سوريا. فمن المعروف أن هناك فئات لبنانية غارقة ومتورطة في المأزق السوري ،وإذا أضفنا ذلك إلى حالة الفقر والجوع ، سيُشكّل لبنان بيئة ملائمة وحاضنة لنمو الحركات الأصولية والإرهابية ، خاصة في ظل هذا الوجود الكبير للنازحين واللاجئين، من فلسطينيين وعراقيين وسوريين وغيرهم ، والوضع المتدهور من حولنا، وتشابك المصالح الدولية.
أما الخطر الثالث :والأكبر: فهو انحلال السلطة في لبنان ، وخطر تفكك الدولة. ففي ظل هذا الانقسام الحاد بين الأفرقاء اللبنانيين، والخلاف على معظم القضايا الأساسية، حتى بات متعذراً الحوار فيما بينهم، أصبح من غير الممكن تسيير شؤون الدولة ، وباتت الوزارات والمؤسسات والمرافق العامة كلها مشلولة، وغير قادرة على القيام بواجباتها.
الكل يزايد، والغالبية تحاول التنصل من المسؤولية، وربما البعض بات ينتظر الانهيار الكبير، أملاً بكسب بعض الشعبية ،وزيادة حصته في انتخابات تشغل باله، وهي قد لا تحصل أبداً اذا ما استمر التدهور والانهيار.
سمعنا الكثير من الشروط والشروط المضادة، وتقاذف التُهم والمسؤوليات بالتعطيل، ولكن في الحقيقة لم يعد كل ذلك مهماً ولا يشغل بال اللبنانيين، ولا مَن معه الحق ومَن سينتصر على مَن، فالشعب يبحث عن لقمة عيشه وأمنه واستقراره ومستقبل ابنائه، بعيداً عن الخطابات الرنانة للمسؤولين ، وإطلالاتم التلفزيونية المملة، وتغريداتهم المملوءة بالتحريض والحقد والضغينة.
لقد شكل بيان الخارجية الفرنسية بالأمس، جرس إنذار أخير للمسؤولين اللبنانيين، هددهم بالضغط والعقوبات، ودعاهم إلى التصرف بمسؤولية، لانقاذ الشعب والوطن، الذي بات في مواجهة خطر الزوال والتفكك، فهل سيستيقظ ضمير هؤلاء؟ أم سيبقى في سبات، بانتظار تحقيق انتصاراتهم الوهمية، والتمترس خلف شعارات الطائفية والقوة المزعومة، والعناد والمخاصمة ؟
**رئيس التحرير