تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
يطلق اليوم نقيب المحامين الأستاذ " ملحم خلف" الوثيقة الانقاذيّة الوطنيّة" تحت شعار "معًا نستردّ الدولة"، وذلك ظهر اليوم من قصر العدل في العاصمة بيروت بمشاركة ممثّلي العائلات الروحيّة، ونقباء المهن الحرّة، ورؤساء الجامعات والفاعليّات الاقتصاديّة، والهيئات العماليّة، وقوى مجتمعيّة مساندة.
في ظاهر هذه المبادرة، لا يمكن الاعتراض عليها لأنّها نابعة من منطلقات وطنيّة خالصة انطلاقًا من تطبيق الدّستور اللبناني؛ لكنّها أغفلت المشكلة الرئيسة التي ضربت كينونة الدّولة والوطن والتي تمّ معالجتها باتّفاق الطائف لكنها لم تطبّق، ألا وهي حلّ الميليشيات وتسليم أسلحتها وأيّ سلاح غير شرعي إلى الدّولة اللبنانيّة. وفي المرحلتين اللتين أشارت إليهما هذه الوثيقة لم تشر إلى موضوع السلاح في أيٍّ من بنودها.
لن يكتب لأيّ مبادرة أو طاولة حوار بالنّجاح إلا بتحقيق المساواة أمام القانون قبل أيّ شيء آخر. صحيح أنّ هذه الوثيقة تستوحي روحيّتها من صلب الدّستور، لا سيّما فيما أشارت إليه في موضوعي مجلس الشيوخ واللامركزيّة الاداريّة، ولو تمّ حذف كلمة "الموسّعة"، وهذا ما يثير الشكّ في محتواها الذي قد يكون إرضاءً لمن هم دفعوا لإقررها. لذلك لا يمكن التعاطي مع الدّستور على القاعدة الانتقائيّة، إمّا أن نعود إلى الكتاب لتطبيقه، وإمّا نكون قد أسقطناه بأيدينا.
من هنا، تأتي هذه الوثيقة مبتورة قبل ولادتها لأنّها لم تشر إلى حقيقة الأزمة اللبنانيّة. يجب أوّلا العودة إلى الدّولة من قبل الجميع وتحقيق المساواة،ولا يكفي أن يكون الشعار فقط لاستعادة الدّولة؛ كان بالحريّ على واضعي هذه الوثيقة أن يحدّ>وا كيفيّة العودة إلى الدولة وتطبيق ما يؤمّن هذه المساواة من الدّستور، ثمّ البحث في كيفيّة تنفيذ ما تطرحه هذه الوثيقة حتّى لو كان قانون انتخابي خارج القيد الطائفي. ولا يمكن إقرار هكذا قانون وأكثر من نصف الشّعب اللبناني في الانتشار مبتور الهويّة الوطنيّة بفعل ممارسات مكشوفة ممّن تولّى وزارة الخارجيّة طوال هذه العقود الأربعة المنصرمة.
ولا يمكن إسقاط أسس جمعيّة وطنيّة يترأّسها النقيب خلف، ونحترمها كثيرًا ونجلّ عملها الاجتماعي، على واقع سياسي لا يشبه نظامها الدّاخلي اللاطائفي. وهذا ما نصبو إليه في دولة المواطنة كما ذكر في الوثيقة. ولكن لا تحقّق دولة المواطنة بوثيقة تقفز فوق وجوديّة مكوّنات حضاريّة مؤسِسّة لكيانيّة هذا الوطن ليستفيد بعض مَن هم في السلطة اليوم فيعزّزوا سيطرتهم الدّستوريّة على الدّولة كلّها، بحجّة تحقيق المواطنة وقانون انتخابي خارج القيد الطائفي ومجلس شيوخ يحمي ميثاقية العائلات الروحيّة في لبنان.
من هذا المنطلق، تبقى هذه الوثيقة مبتورة ومعتورة وأهدافها الماورائيّة مكشوفة تحت ستار مكاسب نأمل ألا تكون شخصيّة بتقديم أوراق اعتماد للجمهوريّة المقبلة للمكوّن الحضاري الذي قد يكون المستفيد الأكبر من هكذا وثيقة، أي المكوّن الشيعي. وبالتّالي تكون هذه الوثيقة حقّقت ما لم تحقّقه وثيقة 6 شباط 2006 ولا الحروب العبثيّة الالغائيّة التي شنّها أحد موقّعيها في ماضٍ غبر وما عبر بعد بفضل أحقاد هؤلاء الدفينة، ولو على حساب وجوديّـتهم الخاصّة.
لذلك كلّه، المطلوب اليوم هو العودة إلى الدّستور والاحتكام إلى المؤسسات، وأيّ مبادرات وطنيّة هي مشكورة، مع العلم أنّنا اكتفينا وثائق لم تجلب إلى لبنان سوى الويلات والنظريّات التي بقيت من دون تطبيق. الحلّ لا يكون إلا بتشكيل حكومة مهمّة قوامها الاختصاصيّين المستقلّين الذين يحملون فكر هكذا وثائق، وهم كثر، وليس طروحات تفرغ لبنان من حقيقته الكيانيّة خدمة لأيّ طرف من أطرافه.