تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " فادي غانم "
اليوم هو العيد ٧٧ لاستقلال لبنان.
هو عيد بإشارتي نصر كما يبدو من الرقم، لكنه يُخفي الف علامة استفهام، حول حقيقة هذا الاستقلال.
أولاً إليكم الرواية الحقيقية للاستقلال، دون أي عمليات تجميل أو تزيف أو ادعاء.
عام ١٩٤٠ احتل الألمان فرنسا، وأصبح لبنان تحت حكم حكومة فيشي الموالية للألمان، والتي سهّلت وصول الإمدادات عبر لبنان وسوريا، إلى رشيد علي الكيلاني، الذي ثار على الإنكليز في العراق. فخاف الإنكليز من خسارة الشرق الأوسط الغني بالنفط، ووجّهوا حملة دخلت لبنان في تموز ١٩٤١. وبغية استمالة السكان، وعدهم الجنرال الفرنسي كاترو، التابع لحكومة فرنسا الحرة، التي كانت تُقيم في الجزائر بالاستقلال.
سارعت عدة دول للاعتراف بهذا الاستقلال، منها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا التي أرسلت الجنرال سبيرز سفيراً لها إلى لبنان. وفي عام ١٩٤٣ دعم الإنكليز بشارة الخوري والتيار الاستقلالي، الذي فاز في الانتخابات. ثم تم انتخاب الخوري رئيساً للجمهورية، وعيّن رياض الصلح رئيساً للوزراء، بعد أن تم الاتفاق على الميثاق الوطني لتقاسم السلطة في لبنان.
عدّلت حكومة رياض الصلح نهار الأربعاء في ٩ تشرين الثاني الدستور، وألغت الانتداب. فرد الفرنسيون باعتقال رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة، وسجنوهم في قلعة راشيا، وعينوا إميل إدة رئيساً للجمهورية. وشكّل مجيد ارسلان وحبيب ابو شهلا حكومة في بشامون، قامت بتغيير العلم اللبناني.
عمت الاحتجاجات البلاد، لكن الفرنسيين رفضوا التراجع. فوجّهت بريطانيا في ٢٠ تشرين الثاني ١٩٤٣ إنذاراً شديد اللهجة إلى اللجنة الوطنية الفرنسية، جاء فيه «أنه بحلول ظهر نهار الأثنين ٢١ تشرين الثاني، إذا لم يتم إطلاق سراح المعتقلين، ستعلن بريطانيا وضع لبنان تحت الوصاية البريطانية وسلطة الجنرال سبيرز».
رضخ الفرنسيون للتهديد البريطاني، وتم إطلاق سراح المعتقلين، وأُعلن في اليوم التالي ١٩٤٣/١١/٢٢ استقلال لبنان.
منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم لم يتمكن اللبنانيون من بناء دولة حقيقية، وساد منذ عهد بشارة الخوري، الفساد في الإدارات، ونظام المحاصصة، وتزوير الانتخابات، والرشوة، وتوظيف الأزلام والمحاسيب، ولم يتغيير شيء، سوى تبديل الوجوه، أمّا نظام المزرعة فبقي على حاله.
كل عهد كان يأتي بوعود الإصلاح، واجتثاث الفساد، ومحاسبة السارقين والمرتشين، وتحقيق العدالة والمساواة، والأهم الوعد بإلغاء الطائفية السياسية، التي وصفها بيان حكومة الإستقلال الأولى ب «الساعة المجيدة» ، لكن الساعة تعطلت، وكأن الزمن توقّف وحال لبنان راح يتراجع من سيّء إلى أسوأ، حتى أصبحنا اليوم في أسفل قائمة دول العالم المتحضر.
لا يقتصر الفساد في لبنان على الطبقة السياسية، ولا يتحمل المسؤولون وحدهم المسؤولية، فالشعب شريك في الفساد. وكأن اللبنانيين على عداء مع القانون والنظام، فهم يعشقون الفوضى، وتهديم مؤسسات الدولة، والدوس على القانون والدستور.
لم يشهد لبنان مرحلة استقرار حقيقي، ولطالما عانى من الإنقسام حول وحدته ومصيره، وانفجر الصراع مرات، حتى دخل العامل الخارجي، فاشتعلت الحرب الأهلية، التي دمّرت البشر والحجر، فتم تسليم لبنان لوصايات أجنبية جديدة.
لا يملك اللبنانيون قرارهم، فانتخاب رئيس للجمهورية يحتاج الى توافق دولي عليه، والأمر عينه ينسحب على رئيس الحكومة، وحتى على تشكيل الحكومة.
- [ ] عالق هذا الوطن الصغير في براثن النظام الطائفي، والتدخلات الخارجيىة، ومحاولات استغلاله، ورقة مساومة في صراع الكبار على المنطقة. وكل حزب أو طائفة، تبحث في الخارج، عن من يمدها بالمال ويؤمن لها الحماية.
لا أحد يبحث عن الدولة في لبنان، فكل زعماء الطوائف أقوى من الدولة ورئيسها وحكومتها وقضائها، وكل مؤسساتها. أما الشعب اللبناني فيبحث عن تأشيرة سفر وجنسية بلد يحترم الإنسان وحقوقه، ويعامله على أساس كفاءته ونشاطه، وليس على اساس انتمائه المذهبي.
لقد قالها سليم سعادة في جلسة المجلس النيابي لمناقشة الموازنة: «من جهة سيدر لا ينشغل بالكم، صحيح أنهم وضعوا علينا شروطا، وهم يعرفون أننا نكذب عليهم، ونحن نعرف أنهم يعرفون أننا نكذب عليهم، فما فيه مشكلة من الأساس. هذه الحقيقة".
نعم هذي هي الحقيقة، أننا منذ ٧٧ عاماً، نعيش في ظل الكذب المتبادل، وبيع أوهام الحفاظ على حقوق الطوائف، وحماية لبنان، في حين يتم انتهاك حقوق كل المواطنين، وسرقة أموالهم والمال العام، وحماية مصالح الزعماء، ودول الوصاية عليهم. وكل ذلك تحت شعارات واهية كاذبة، ووعود بالسيادة والاستقلال والإصلاح، ليتبين في المحصلة أنهم يبحثون عن مصالحهم فقط. ولا يهم إذا انهار البلد وجاع الشعب، أو مات في الطرقات، فالمهم أن تبقى زعاماتهم مصانة، وحاشيتهم وافرة الوفاض.
فهل هذا استقلال؟ وهل هذه إنجازات تستحق أن نتفاخر بها أيها اللبنانيون؟