تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- "د. ميشال الشمّاعي "
يخطئ مَن يظنّ أنّ العالم اليوم بعد الانتخابات الأميركيّة سيبقى كما هو. لكن التغيير الذي سيحصل لن يكون في المواقف فحسب بل في التموضعات، لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط، وفي منطقة شرق المتوسّط بالتحديد، وفي لبنان أكثر تحديدًا. لكنّ الثابت الوحيد يبقى في ثبوت الاستراتيجيّة الأميركيّة بدعم الجيش، ومحاربة الارهاب، والتوصّل إلى حلّ نهائي للميليشيات.
يبدو أنّ لبنان لن يكون مقبلا على تغيير جوهريّ في تموضعه الجديد بعد الانتخابات الأميركيّة. وكلّ الذين هلّلوا لفوز بايدن إنّما فاتهم أنّ سياسة الحزب الديمقراطي كانت تصبّ دومًا لحساب دعم الأقليّات، وكذلك الأكراد، ومحاربة الاسلام السياسي الذي أضرّ بالدين الاسلامي أكثر ممّا أسدى له أيّ خدمة عقائديّة. فاستعادة الأكراد لديناميّتهم الاستقلاليّة ولنزعتهم التحرّريّة نحو وطنهم الموعود، ستفرض بدورها واقعًا جديدًا في المنطقة جمعاء يصعب التغاضي عنه. وهذا ما سيضعهم بوجه النفوذ التركي المتصاعد في شرقي المتوسّط، ممّا سيكبح تقدّمه أكثر فأكثر.
وذلك يعني تحرّر لبنان أكثر من نفوذ أي حركات أصوليّة قد تلاقي في الأيديولوجيّة الطورانيّة امتدادًا لفكرها، وهذا ما سيدفع بالمضي قدمًا نحو استعادة حلف تحرّريّ أكثر في لبنان، سيشكّل عماد المواجهة في المرحلة المقبلة. ولن يجد فريق الممانعة نفسه بمنأى عن هذه المواجهة الجديدة التي ستجد امتدادًا لها في الدّاخل السوري التحرّري، إذ سيتحرّر من أيّ دعم تركي لأيّ حركة أصوليّة في الدّاخل السوري؛ وهذا ما سيؤسّس لتيّار تحرّري جديد سيلاقي التيّار اللبناني. هذا من دون إغفال الميدان الليبي الذي لن يجد له أيّ دعم أصولي قادم من سوريا أو من تركيا بعد اليوم. يعني ذلك أنّ منطقة شرق المتوسّط ستدخل في ستاتيكو تحرّري يؤمّن لها في التموضع الأميركي الجديد المزيد من الثبات والاستقرار.
ذلك كلّه، سيشكّل دفعًا أكبر نحو السلام الثنائي الذي قاده ترامب والذي سيتابعه بايدن، وعلى قاعدة المثل الشعبي: أنّ " المي بتكذّب الغطّاس"، سنترقّب بحذر لنشهد المزيد من التقدّم في ملفّ ترسيم الحدود اللبناني، حتّى لو لم يؤدِّ ذلك إلى اتّفاق سلام، لكنّه سيكون سلامًا إقتصاديًّا بتروليًّا وغازيًّا سيوفّر للبلدين المساحة الآمنة التي سيوفّراها للشركات النفطيّة المستثمرة التي ستعمل في البلوك رقم 9 وغيره من البلوكات، من دون أيّ اعتراض من أيّ حركة تدّعي مقاومة العدو.
فكلّ الذين راهنوا على تغيير في الاستراتيجيّة الأميركيّة ليستولدوا حكومة لبنانيّة تتماشى مع مصالحهم، سيلمسون لمس اليد أنّ التموضع الجديد لن يكون لحسابهم بل سيكون لتأمين المزيد من المصالح الاستراتيجيّة الأميركيّة التي ستتجلّى في مصالح الشركات النفطيّة. ولن يستطيع محور الممانعة الاستثمار في هذا التموضع الجديد لأنّ أيّ تجديد للاتّفاق النووي الايراني الأميركي لن يكون بشروط الايرانيّين كما يعتقد هؤلاء كلّهم. فالنهج الأميركي لن يتغيّر بل التكتيك بالتنفيذ فقط. وهذا ما لن يستطيع استثماره هذا المحور في لبنان ولا حتّى في دول الجوار.
هذا كلّه من دون إغفال الانفتاح الأميركي الديمقراطي على أوروبا بشكل عام، وعلى روسيا بشكل خاص؛ وهذا ما سينعكس إيجابًا في لبنان من خلال حدّ السيطرة الايرانيّة ستحدّدها روسيا وستعيدها إلى الدّاخل الايراني بالاتفاق مع الديمقراطيّين. قد يبدو هذا السيناريو عجيبًا ومستغربًا لا سيّما بعد المواجهة التي قادها ترامب في العالم من خلال سياسة العقوبات التي من المرجّح أنّها ستستمرّ على خلفيّة قانون ماغنيتسكي؛ لكن من يقرأ مواقف الحزب الديمقراطي في مناهضة الحركات الاصوليّة يفهم طبيعة هذا التموضع الجديد، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ مصلحة إسرائيل هي الهدف الأميركي الاستراتيجي الذي لا يعلوه أيّ هدف آخر.
وبتأمين الاستقرار لشرق المتوسّط سيوفّر الأميركيّون على أنفسهم الدعم الذي يقدّمونه سنويًّا لإسرائيل مقابل توفيرهم البديل لها من إنتاج الغاز وإدخاله إلى السوق الأوروبيّة لتصريفه؛ وبذلك يكونون قد حدّوا من التحكّم الروسي بتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي وانتقلت السيطرة إلى يدهم بعد إحكام قبضتهم أكثر فأكثر على شرق المتوسّط. والأيّام القليلة القادمة كفيلة بإثبات ذلك.