تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
حسم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأمر في اتهامه الطبقة السياسية اللبناني بالخيانة الجماعية، لكنه بالرغم من ذلك، أبقى موقفه براغماتياً من حزب الله وإيران. فهو حمّل حزب الله وحركة أمل المسؤولية الكبرى عن إفشال المبادرة الفرنسية بوضعهم شروط تسمية الوزراء الشيعة والاحتفاظ بوزارة المالية، لكنه ترك الباب مفتوحاً للحزب كي يختار بين التسوية أو ما سماه الخيار الأسوأ أي العقوبات وربما الحرب، وأعلن ايضاً عن عزمه إجراء اتصالات مع إيران.
لم يشأ ماكرون الإعلان عن سقوط مبادرته في لبنان، رغم وصول كلام وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف من موسكو إلى مسامعه، عندما تسأل ظريف عما يفعل الفرنسيون في لبنان؟. وتتوج هذا الكلام أمس، بما ورد على لسان الناطق باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، الذي قال إن «موضوع لبنان ملف داخلي يجب حله ضمن البيت اللبناني» مضيفاً «إن طهران لا تدعو أي دولة أجنبية للتدخل في لبنان».
أما الرد اللبناني سيكون اليوم مساءً من السيد حسن نصرالله في كلمته المنتظرة، والتي ستكون في نفس مستوى كلام ماكرون. أي أنه سيرفض الإتهام الذي وجّه إلى الحزب بتعطيل المبادرة، وسيدافع عن موقف الحزب من قضايا الصراع في المنطقة، وقد يحمل الخطاب طبعاً كلاماً عالي السقف بحق المهللين للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، والدول العربية التي تتهم حزب الله بالإرهاب، لكن خطاب السيد حسن سيترك الباب مفتوحاً أمام المبادرة الفرنسية للمساعدة على الحل في لبنان، شرط أن تُبقي فرنسا على تمايزها عن الموقف الأمريكي، وأن تحفظ الحكومة الجديدة التوازنات السياسية الداخلية اللبنانية.
طرح الرئيس نجيب ميقاتي رؤيته للحل بحكومة عشرينية، يكون ستة منها سياسيين من الأقطاب أو ممثلين عنهم، وأربعة عشر وزيراً تقنيين من خارج االأحزاب، يختارهم رئيس الحكومة. وبهذه الطريقة يكون ميقاتي قد دمج بين المبادرة الفرنسية ومطالب حزب الله وحركة أمل.
على هذا الأساس قد يكون الرئيس المقبل للحكومة هو نجيب ميقاتي، خاصة أن سعد الحريري يبدو أنه حسم أمره بعدم العودة الآن الى رئاسة الحكومة، وأمامه الكثير من العقبات الداخلية والخارجية، خاصة بعد الموقف السعودي الأخير المتصلّب من حزب الله. كذلك فإن اختيار أي شخصية أُخرى سيكون بمثابة أمر من إثنين:
إمّا اسنساخاً لحكومة حسان دياب، وهذا يعني اتخاذ خيار المواجهة مع المجتمع الدولي، ومزيد من الإنقسام الداخلي، ودفع البلد إلى الهاوية، وهذا أمر مستبعد أن تُقدم عليه الأكثرية النيابية طبعاً.
إمّا عودة إلى تكليف شخصية حيادية، ومحاولة إعادة إحياء تجربة مصطفى أديب والمبادرة الفرنسية، بالتالي ستصطدم بنفس الشروط والعوائق السابقة، وهذا سيكون مضيعة للوقت فقط.
لم يقفل الرئيس ميقاتي الباب أمام اقتراح ترؤسه الحكومة الجديدة، وقد يقبل بذلك إذا حظيت مبادرته بتوافق جميع الأطراف، والكل يعلم طبعاً أن لبنان بات بأمس الحاجة إلى التسوية، وإحداث خرق في جدار الأزمة، ولا يجوز التمترس لكل طرف عند مطالبه وشروطه، التي لن تفيد فيما لو وقع المحظور على لبنان.
أما تأجيل الإستحقاق الحكومي اللبناني إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية فهو بات بحكم الأمر الواقع. فالانتخابات ستحصل في ٣ تشرين الثاني، أي بعد حوالي الشهر تقريباً، فيما مبادرة ماكرون تمتد إلى ستة أسابيع. وهذا إضافة إلى أنه بات من شبه المؤكد أن هذه الانتخابات لن تُغيير كثيراً في الموقف الأمريكي من لبنان وحزب الله تحديداً، لأن أي إدارة أمريكية جديدة، ستتبنى الموقف الإسرائيلي من هذا الموضوع.
أكثر من ذلك فإن دونالد ترامب باقي في البيت الأبيض حتى شباط المقبل، هذا في حال خسر الانتخابات، مع العلم أن معظم الخبراء يؤكدون عودة ترامب وبقائه لفترة رئاسية جديدة كاملة.
في نهاية الشهر المقبل سيصل وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى بيروت، وهو كان قد نصح إيران وحزب الله بالحفاظ على علاقات جيدة مع الأوروبيين، وهذا يتطلب طبعاً تعاونا وتسهيلاً للمبادرة الفرنسية في لبنان، والتي تحاول منع وقوع لبنان في الخيار الأسوأ، كما أسماه ماكرون أي خيار الإفلاس والحرب.
لكن الخوف أيضاً هو من سياسة المحور المتشدد أمريكياً وعربياً، والذي يدفع باتجاه مزيد من العقوبات، حيث تشير بعض المصادر أن الأمريكيين بصدد إعلان لوائح عقوبات متتالية بحق أشخاص لبنانيين بدءاً من الأسبوع المقبل، بالرغم من مطالبة الرئيس الفرنسي لهم بتأجيل ذلك، وستطال الأولى عدة مسؤولين وشركات لبنانية، تحت عنوان قانون قيصر وحجة تقديم مساعدات للنظام السوري، والثانية تحت قانون ماغنيتسكي، الذي يطال منتهكي حقوق الانسان وجرائم الفساد ، في أية دولة في العالم.
ستة أسابيع حاسمة في مستقبل لبنان، فهل سيتلقّف اللبنانيون الفرصة الأخيرة لماكرون؟ وهل سيمرر الأمريكيون وبعض العرب وإيران التسوية في لبنان؟ أم سينجح المعرقلون وتصدق نبوءة الذهاب إلى جهنم؟