تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
على أبواب انتهاء أزمة كورونا ، وبدء العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، برزت رسائل مبطّنة من عدّة أطراف داخلية وخارجية، يندرج بعضها ضمن المناكفات السياسية المعتادة، فيما يحمل قسم آخر منها بُعداً مستقبلياً هاماً لمصير الأزمة التي تعصف بلبنان .
استبعد جيفري فلتمان في تصريحاته الأخيرة نشوب حرب بين اسرائيل وحزب الله، معتبراً أن الحزب ليس له مصلحة في ذلك. وهو يعلم أيضاً، وإن لم يقل صراحةً، أن لا مصلحة لأسرائيل في هذه الحرب الآن. وكان فلتمان قد وصف خطة الحكومة اللبنانية بأنها تمنيات ولا تحاكي الواقع، ودعا إلى توسيع العقوبات ضد حزب الله حتى تشمل حلفاءه، ومَن يؤمّن له الغطاء، خاصة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل .
لم تُقلق اللبنانيين تصريحات فلتمان المعروفة مسبقاً، لكن ما جرى بعدها كان مربكاً. فليس عادياً أن يتحدث التيار الوطني الحر عن موضوعين أساسيين، هما سلاح حزب الله واللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة .
ففي الأول يريد التيار موقفاً علنياً صريحاً من حزب الله، بدعم وصول باسيل إلى رئاسة الجمهورية، وهو الذي غامر بعلاقاته وأغضب الأميركيين لأجل الحزب. كما أنّ التيار غير راضٍ أيضاً خاصة بعد هجوم فرنجية الأخير على باسيل والعهد، ووقوف الحزب على الحياد. واعتبر المراقبون أن كلام النائب زياد أسود يربط مباشرة، تغطية التيار لسلاح الحزب بموضوع الرئاسة، ويسعى إلى المقايضة بينهما .
أما في الموضوع الثاني رأى الرئيس بري، أنه يحمل في طياته مشاريع تقسيم، كونفدرالية أو فيدرالية مناطقية طائفية. وهذا هو سبب الرد القاسي له في خطابه الأخير، حيث حذّر من أصوات النشاز، في إشارة واضحة إلى كلام النائب أسود، واعتبر بري أن تقسيم وتفتيت المنطقة، من لبنان إلى سوريا والعراق هو مشروع صهيوني، وأن صفقة القرن هي تصفية للقضية الفلسطينية وسنتصدى لها .
وإذا كان خطاب الرئيس بري في بعده العربي والوطني هو من الثوابت، ولم يأتِ بجديد، فإن كلامه عن الحكومة، ووصف إنجازاتها بالورقية، كان لافتاً .
فبعد التوترات المتعددة بين الرئاستين الثانية والثالثة، بدءاً من موضوع عدم إقرار مبلغ ١٢٠٠مليار كمساعدات، والتي يراهن عليها الرئيس دياب، لامتصاص نقمة الشارع على حكومته، بعد رفع حالة التعبئة العامة، إضافةً إلى مسألة حاكم المصرف المركزي، حيث اعتبر بري أن كلام دياب ارتجالاً غير مدروس، ولا يجوز التعاطي في ذروة الأزمة المالية بهذه الطريقة، مع مسألة مهمة بهذا الحجم، جاء كلام الأمس ليكشف ظهر الحكومة المترنّحة أصلاً في خطواتها .
تسير الحكومة ببطء على عكاز، فبعد ان عدد رئيسها الإنجازات التي لم يلمس منها المواطنون شيئاً حتى الآن، خاصة في لجم تدهور سعر العملة، التي تهاوت معها رواتبهم ومدخراتهم، واستفحال الغلاء دون ضوابط، واتساع دائرة الفقر الذي بات يهدد نسبة ٤٩٪ من الشعب، وفضائح الفيول المغشوش، المضاف إلى ملف الهدر والفساد في الكهرباء، والتي لم ولن تتوصل فيه التحقيقات إلى شيء، شكّل كلام بري رسالة قاسية، أظهرت استياءه من أداء الحكومة وعجزها عن تقديم الحلول .
سارع الرئيس دياب إلى عين التينة لتبريد الأجواء وحصل على ذلك. فهو بالكاد اطمأنّ بالأمس القريب إلى كلام وليد جنبلاط ، عن عدم السعي لتغيير حكومي. لكنه قلق من ثورة الجياع القادمة، التي تحدث عنها جنبلاط. وبعد المناكفات مع الرئاسة الأولى حول التعينات، والغضب الأرثوذكسي عليه، لم يتبقَ له سوى كتلة حزب الله، التي تدعمه من حسابها، لكن ليس إلى ما لا نهاية .
فيما يُشبه رسالة استعطاف إلى الأميركي، قال دياب لصحيفة «واشنطن بوست» إننا نحتاج للمساعدات لتأمين المواد الغذائية، التي باتت مهددة بالفقدان من السوق اللبناني. ومن المعروف أن لبنان طلب مبلغ عشرة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، ومثلها من الدول المانحة في مؤتمر سيدر، لكن جوابهم الذي سيتأخر على ما يبدو، قاله في الأمس كل من فيلتمان وجنبلاط والرئيس بري .
أوضح فيلتمان أن لا مساعدات سوى بالحد البسيط، الذي لا يسمح بدعم حزب الله ونفاذه من العقوبات . والمَح جنبلاط إلى أن المساعدة المأمولة من صندوق النقد ستكون مشروطة ، ولن تكفي لحل الأزمة خاصة أن هناك من يُعرقل المفاوضات والهدر والفساد مستمران في الدولة. وفيما يعتقد الخبراء أنها لن تتجاوز الملياري دولار في أحسن الأحوال، دعا الرئيس بري الحكومة إلى عدم الانتظار على محطة صندوق النقد، والانطلاق إلى العمل الجدّي، الذي يُعطي نتائج ملموسة على الأرض، خاصة في موضوع الكهرباء .
لا حلول مرتقبة في القريب العاجل، وباختصار شديد، إن الأميركي منشغل بالصين، والوباء، والانتخابات، وأوكل إلى تركيا مهمة استمرار الصراع، من قطر إلى أدلب وطرابلس الغرب. والأزمة السورية، وصفقة القرن، في انتظار العام القادم .
ورغم التفاهم الروسي الأميركي المبدئي حول سوريا ولبنان، لكن التفاوض النهائي لم يبدأ بعد، ولذا نحن في مرحلة الإنتظار، التي ستزيد وطأتها على اللبنانيين هذا العام، وعلى قاعدة «اشتدّي أزمة تنفرجي» قد يأتي الحل بعد ثورة الجياع المرتقبة، ولكن على حساب الشعب ولقمة عيش المساكين .