#الثائر
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي عاونه فيه المطرانان غريغوري منصور ، انطوان عوكر، امين سر البطريرك الاب هادي ضو، رئيس مزار سيدة لبنان _ حريصا الاب فادي تابت، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور نقيب الصيادلة الدكتور جو سلوم، السفير جورج خوري وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان: "تعاليا وانظرا" (يو1: 39)"، قال فيها: "عندما رأى يوحنّا المعمدان يسوع مارًّا، إكتشف فيه "حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم"(يو1: 29) .ولـمّا تبع يسوع إندراوس وتلميذٌ آخر، يُرجّح أنّه يوحنّا الحبيب، إكتشفا في شخص يسوع "ماشيحا أي المسيح المنتظر"(يو1: 40). أمّا لـمّا رأى يسوعُ سمعان آتيًا إليه، بشهادة أندراوس، فحوّله إلى صخرة الإيمان أي "كيفا" بالآراميّة وPetros باليونانيّة وPetrus باللاتينيّة، التي يبني عليها كنيسته. اللقاء الشخصيّ بيسوع ينطوي دائمًا على بعدين: الأوّل، معرفة يسوع على حقيقته؛ والثاني، الدعوة الخاصّة بكلّ مؤمن ومؤمنة في حياة الكنيسة والعائلة والمجتمع. هذا يعني أنّنا في شخص يسوع نجد ذواتنا، ومعنى وجودنا في مسيرة ملكوت الله عبر التاريخ البشريّ. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، وأن أنقل إليكم الخبر المفرح وهو رفع موزاييك القدّيس شربل شفيع لبنان في بازيليك القدّيس بطرس بروما صباح يوم الجمعة المقبل 19 كانون الثاني الساعة 10،30 بتوقيت لبنان. فإنّا ندعوكم لوقفة صلاة وشكر وابتهال إلى الله لكي بشفاعة القدّيس شربل يمنح لبنان الإستقرار والسلام في الجنوب وفي غزّة، ويُلهم المجلس النيابي بانتخاب رئيس للجمهوريّة، ويحقّق أمنيات قداسة البابا فرنسيس الذي سمح بهذه المبادرة وشجّعها. ونطلب من إخواننا السادة المطارنة الأجلّاء تكليف كهنة الرعايا ولجان الأوقاف بقرع الأجراس في جميع الكنائس بالتزامن مع رفع موزاييك القدّيس شربل، ولمدّة خمس دقائق. ويطيب لي أن أرحّب بكم جميعًا مع تحيّة خاصّة لسيادة اخينا المطران غريغوري منصور راعي ابرشية بروكلين – نيويورك، الولايات المتحدة الاميركية. كما احيي عائلة قلب يسوع التي تنشر عبادة قلبه الأقدس الموحاة للقديسة مارغريت ماري الاكوك. تأسست هذه العائلة في لبنان سنة ١٩٨٥، وتنتشر حاليًّا في حوالي ٧٥ رعية يلتزم أعضاؤها بتلاوة تساعية قلب يسوع، واحياء ساعات سجود في كلّ أوّل جمعة من الشهر، والقيام بخدمة المحبّة في مركز اجتماعي لعدد كبير من المعوزين".
وتابع: "في إطار شركة القدّيسين والصلاة لراحة نفوس موتانا، نذكر في قّداسنا المرحوم ريّان وهبة وأموات العائلة، ونذكر المرحوم إيلي جرجس عيد الذي ترك أثرًا كبيرًا في أبرشيّتنا المارونيّة في قبرص، وكذلك في وادي قنّوبين من خلال بناء بيت للأنشطة الروحيّة والثقافيّة. كما نذكر المرحوم مطر يوسف مطر، والد عزيزنا الخوري بول مطر، أمين سرّ البطريركيّة السابق، وقد ودّعناه هذا الأسبوع مع أفراد عائلته العزيزة. إنّنا نقدّم الذبيحة المقدّسة لراحة نفوسهم وعزاء عائلاتهم. إكتشف يوحنّا المعمدان بوحي من الروح القدس أنّ يسوع هو "حمل الله الذي يحمل (يفتدي) خطايا العالم" (يو1: 29). فأودعه نفوس البشر، المتمثّلين بالتلميذين اللذين سمعاه فتبعا يسوع. وبعد أن اقتبلهما يسوع، عاهدهما يوحنّا بألّا يعودا إليه، هو الذي قال: "ينبغي له أن ينمو، ولي أن أنقص، لأنّ الذي أتى من فوق هو فوق الكلّ" (يو 3: 30-31). ما أجملها أمثولة لكلّ إنسان في التواضع والتجرّد ومعرفة الذات على حقيقتها، وبخاصّة لكلّ حامل مسؤوليّة لئلّا يستكبر على الله ويخالف من دون ندامة رسومه ووصاياه، ولئّلا يتعالى على الناس. صحيح القول: إنّ كلّ إنسان يحمل في ذاته ثلاث شخصيّات: الأولى، ما هو في نظر نفسه؛ الثانية، ما هو في نظر الناس؛ الثالثة، ما هو في الحقيقة. هذه الشخصيّة الأخيرة هي المطلوبة من كلّ إنسان أن يعرفها، والتي دعا إليها فلاسفة اليونان بكلمتين: إعرف نفسك! إكتشف التلميذان اللذين تبعا يسوع أنّه "المسيح المنتظر"،كما شهد إندراوس لأخيه سمعان-بطرس. نجد بعده فيليبّس يشهد لنتنائيل "أنّ الذي كتب عنه موسى والأنبياء، قد وجدناه، وهو يسوع إبن يوسف من الناصرة" (يو 1: 45). ونتنائيل، بعد أن رأى يسوع وسمعه شهد: "أنّه إبن الله، وأنّه الملك الجديد" (يو 1: 49). أمّا يسوع فقرأ في قلوب هؤلاء إيمانًا وحبًّا مميّزين، فدعاهم ليكونوا رسل العهد الجديد. فكانوا الخمسة الأول من بين الإثني عشر وهم: سمعان بطرس الذّي جعله هامتهم، وإندراوس أخوه، ويوحنّا، وفيلبّس، ونتنائيل. وهكذا واصل الربّ يسوع، ويواصل إلى نهاية العالم، دعوة الذين يتميّزون بالإيمان والحبّ ليسيروا على خطاه في حياتهم المسيحيّة، وفي الدعوة الكهنوتيّة المقدّسة، وفي الحياة المكرّسة بنذور أو وعود. إنّنا نجد نموذج الإيمان والحبّ كأساس لدعوة كلّ إنسان في شخصّية سمعان-بطرس. فإيمانه المميّز ظهر في قيصريّة فيلبّس عندما أجاب على سؤال يسوع: وأنتم من تقولون أنّي هو؟ وكان جوابه: "أنت هو المسيح إبن الله الحيّ!" فامتدح يسوع إيمانه لكونه عطيّة من الله قبلها في قلبه وعاشها في حياته، قولًا وفعلًا. على هذا الإيمان جعله صخرة يبني عليها كنيسته (راجع متى 16: 13-19). وحبّه المميّز ظهر على شاطئ بحيرة طبريّا، عندما سأله ثلاثًا: "أتحبّني أكثر من هؤلاء؟ وكان جوابه الصاقي: "يا ربّ، أنت تعلم كلّ شيء، وأنت تعلم أنّي أحبّك!" فسلّمه يسوع رعاية النفوس التي افتداها بموته على الصليب. ما يعني أنّه دعاه ليحمل حبّه لكلّ إنسان (راجع يو 21: 15-19)".
اضاف الراعي: " يا ليت السياسيّين اللبنانيّين، والعاملين على الإطاحة بكيان لبنان ونظامه، والساعين إلى التنكّر لهويّته وميزاته ودوره في بيئته العربيّة، يعرفون ذاتهم الشخصية وذاتهم اللبنانيّة وما هو لبنان. فلنسمع القدّيس البابا يوحنّا بولس الثانيّ، صديق لبنان، يكتب في مستهّل إرشاده الرسوليّ "رجاء جديد للبنان": "لبنان بلدٌ طالما اتجّهت إليه الأبصار. ولا يمكننا أن ننسى أنّه مهد ثقافة عريقة وإحدى منارات البحر الأبيض المتوسّط"(عدد 1). نتساءل: أين هو لبنان اليوم، والنافذون من كتل نيابيّة وأحزاب وذوو أهداف شخصيّة وفئويّة ومشبوهة يمعنون في بتر رأس الدولة بتعطيلهم انتخاب هذا الرأس، وإبطال ما يمليه الدستور بوضوح كنور الشمس؟ على ضوء هذا السؤال، لا يمكن القبول لا ماضيًا ولا حاضرًا ولا مستقبلًا بتغييب رأس الدولة، المسيحيّ المارونيّ، التزامًا بالميثاق الوطنيّ واتفاق الطائف، وتأمينًا لقيام دولة المؤسّسات، بحيث يستعيد المجلس النيابي سلطته التشريعيّة، والحكومة صلاحيّاتها الإجرائيّة، وإسقاطًا لممارسة تشريع الضرورة، وإجراءات الضرورة، فيما الضرورة واحدة وحيدة هي انتخاب رئيس للجمهوريّة، تأمينًا لفصل السلطات، وإيقافًا للفوضى في حياة الدولة. ولا يمكن القبول من جهةٍ ثانية أن تحصل وتسير قانونًا مفاوضات ومعاهدات واتفاقات االتي هي حصرًا من صلاحيّات رئيس الجمهوريّة وفقًا للمادّة 52 من الدستور. ولا يمكن القبول من جهة ثالثة بربط انتخاب الرئيس بوقف الحرب على غزّة، لأنّ وجوده أفعل بكثير من أي وسيلة أخرى، لأنّه يحمل قضيّة الفلسطينيّين عاليًا على المستويين الإقليمي والدولي، ويحمي لبنان أرضًا وشعبًا وكيانًا".
وعن ترسيم الحدود، قال: "أخيرًا كثر الحديث في هذه الأيّام، عن حركة دوليّة تهدف إلى ترسيم الحدود البريّة الجنوبيّة للبنان، على الرغم من أنّ هذه الحدود مُرسّمة ومُثبتة بموجب إتفاقيّات دوليّة منذ أكثر من 100 عام. كلّ هذا يجري وموقع الرئاسة الأولى شاغر، وبوجود حكومة غير مكتملة الصلاحيّات، وهما المرجعيّة الوحيدة الصالحة للبتّ في هذا الشأن الوطنيّ المهمّ جدًّا. حدّدت المادّة الثانية من الدستور أنّه لا يجوز التخلّي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانيّة أو التنازل عنه. ولذلك نحن ندعو إلى تطبيق الإتفاقيّات والقرارات الدوليّة في شأن الحدود البريّة اللبنانيّة الجنوبيّة، لا سيما القرار 1701، وعدم إجراء أي تعديل حدوديّ في ظلّ شغور رئاسيّ وسلطة إجرائيّة صلاحيّاتها غير مكتملة".
وختم الراعي: "فلنصلِّ، لكي نعرف ربّنا يسوع المسيح بالإيمان والحبّ. فهو يكشف لنا وجه الآب، وفعل الروح القدس، وبنعمته ندخل في الإتحاد مع الثالوث القدّوس وفي الوحدة مع جميع الناس. له المجد والتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين".
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.