#الثائر
دخلت واشنطن على خط الملف الرئاسي من خلال تنسيق موقف موحّد مع الرياض والدوحة، يقضي برفض استمرار المساعي الفرنسية. وانتهت الاتصالات بين دول اللجنة الخماسية برفض منح باريس أي مهلة زمنية إضافية، واعتبار مشروع التسوية الذي عرضته وعملت عليه سابقاً منتهياً.
وقال مرجع سياسي لـ«الأخبار» إن الجانبين الأميركي والسعودي أشهرا موقفاً لافتاً برفض ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وإن مسؤولين أميركيين بارزين أبلغوا نظراءهم الفرنسيين، بشكل رسمي، أن واشنطن «تريد قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية». فيما أكّدت السعودية أن قائد الجيش ليس مرشحها، لكنها لا تعارض وصوله، وفي المقابل «ترفض تسوية انتخاب فرنجية التي عرضها الفرنسيون كحصيلة لمفاوضات أجروها مع حزب الله».
وفي المعلومات أن حالة من التوتر تسود باريس التي تنظر بقلق إلى فشل مسعاها في لبنان، وتعتبر أن ذلك سيُضاف إلى سلّة العثرات التي تواجهها الإدارة الفرنسية في أفريقيا ومناطق أخرى من الشرق الأوسط. وقال المرجع نفسه: «تعتبر باريس أن واشنطن استخدمتها لتقطيع الوقت، وأن مواقف قوى لبنانية برفض التسوية والدعوات الفرنسية ودعوة الرئيس نبيه بري إلى الحوار كانت بتنسيق مباشر مع واشنطن والرياض، وأن الدوحة تحاول الحفاظ على مسافة من الحياد حتى يتم إيكال المهمة إليها ».
ونقل المرجع عن الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان قوله في لقاءات عقدها في بيروت إن بلاده «حصلت على معطيات جديدة تقول إن بقية أعضاء اللجنة الخماسية (أميركا والسعودية ومصر وقطر) يرفضون السير في تسوية فرنجية مقابل رئيس حكومة حليف لهم». وتابع لودريان: «جرى اتصال بين الرئيس إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبعده أبلغني ابن سلمان مباشرة بأن كلمة السر بخصوص لبنان باتت بحوزة مستشاره نزار العلولا». وأضاف لودريان: «في اجتماع لاحق عقدته مع العلولا، أبلغني أنهم يرفضون وصول فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، وهم ينظرون إلى الأمر على أنه انتصار لحزب الله على حلفائهم في بيروت».
وبحسب المرجع، فإن الموفد الفرنسي لم يكن مرتاحاً في زيارته الأخيرة، وإن بعض المجتمعين به خرجوا بانطباع واضح بأن الملف الرئاسي «لم يعد بيد فرنسا»، وهو ما بدا خلال الاتصالات الجانبية، إذ قرّر الأميركيون والسعوديون الدخول بقوة، وهم كانوا وراء «المواقف المتشدّدة لأطراف ترفض الحوار والمبادرة الفرنسية». ولم يكن لودريان مرتاحاً أيضاً لتواصله مع البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي أبدى استياءه من المواقف الفرنسية، ورفضه طرح اسم مرشح جديد للرئاسة. وأبلغ الراعي الفرنسيين أن «الانتخابات لو حصلت وفق ما ينص عليه القانون، لكانت أتت برئيس من اثنين: إما فرنجية أو أزعور. لكن هناك من لا يريد إجراء انتخابات».
ونقل المرجع عن لودريان قوله بأن «على الأطراف اللبنانية المسارعة إلى التوافق على مخرج، لأن الخارج ليس معنياً بتسهيل خطوة انتخاب رئيس تسوية». وأضاف أن الدبلوماسي الفرنسي سمع من الرئيس بري ومن قيادة حزب الله تمسكهما بدعم ترشيح فرنجية، ودعمهما الحوارات الداخلية التي تؤدي إلى تفاهمات على أمور كثيرة. واستفسر لودريان عن نتائج الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وعن النقاشات الجارية بين الرئيس بري والنائب السابق وليد جنبلاط». وقال المرجع إن لودريان يعتبر أن عودته إلى بيروت قد تكون مناسبة لإعلان حل أو لإعلان نهاية للمبادرة الفرنسية.
وفي ما يتعلق بموقف الدوحة، قال المرجع إن القطريين يقولون صراحة إنهم يطرحون ما يقبل به الأميركيون، وإن دعمهم لقائد الجيش ينطلق من كون الغرب يفضّله على بقية المرشحين. وقد أبلغ القطريون الأطراف الداخلية والخارجية، بأنه في حال التوافق على إسناد المهمة اليهم بدل الفرنسيين فهم «قادرون على تقديم حل سريع، وفي حال وصول قائد الجيش إلى القصر الجمهوري، فإن قطر تتعهّد بضخ استثمارات مالية كبيرة في لبنان حتى ولو بقي موقف بقية دول الخليج متحفّظاً إزاء أي دعم للبنان».
من جهة أخرى، خرق الصمت السياسي أمس الموقف الذي أطلقه جنبلاط أمس عبر صحيفة «لوريان لوجور»، والذي تميز بلهجة احتجاجية في وجه السعودية، إذ حمّلها عملياً مسؤولية التعطيل، قائلاً: «لتشرح لنا السعودية ماذا تريد، لأن الأمور أصبحت بمستوى صارخ وغير مقبول. هناك من يلعب مع اللبنانيين! وهذا ما يغذّي النظريات السخيفة لمن يريد الفراغ».
وقالت مصادر مطّلعة إن «هجوم جنبلاط على المملكة مردّه إلى علمه منذ أشهر بأن سفيرها في بيروت وليد البخاري هو من يقف خلف موقف عدد من القوى ويدفعها إلى التصعيد، وهو كان يطلب من القوات والكتائب رفع السقف والتصعيد ضد أي مبادرة، كما حصل مع دعوة لودريان والرئيس بري إلى الحوار». وكشفت المصادر أن «جنبلاط كما غيره من القوى السياسية عرف أن المبادرة الفرنسية قد أُسقِطت، وأن باريس ليست قادرة على إقناع بقية أعضاء الخماسية بالاستمرار في هذا الدور وهي أسيرة المواقف المحلية التي تقف خلفها جهات خارجية»، مشيرة إلى أن عودة لودريان الشهر المقبل ستكون شكلية، وكل ما سيليها هو الضغط من أجل انتخابات وفق مقررات بيان الدوحة الأخير، ما يعني أن البلاد مقبلة على موجة جديدة من التصعيد.
من جهة أخرى، أشارت "اللواء" الى ان في العلن والظل يتحرك السفير المصري في بيروت ياسر علوي في لقاءات سياسية هدفها تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية من دون التوصل الى نتيجة إيجابية «بسبب تصلُّب المواقف السياسية الداخلية»، حسبما افادت مصادر متابعة لحركته.