#الثائر
إمّا أن تغرق الدولة الإدارات والمؤسسات بالموظفين وإمّا أن تنقطع عن التوظيف نهائياً، وهذا أقلّ ما يقال فيه، إنه دليل على سوء التخطيط وانعدام المسؤولية والرؤية الصحيحة.
تتذرّع السلطة بوجود فائضٍ من الموظفين في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعانيها البلاد، لكنّ هذا الكلام غير دقيق، إذ إن هناك فائضاً في بعض المؤسسات والإدارات و هناك نقص في أخرى، ولا يجوز في مطلق الأحوال نقل موظفين من قطاع إلى آخر إلاّ في حالات محدودة جداً، فلكل قطاع وظيفي اختصاصه وشروط التعيين فيه، وعلى هذه الأسس يتمّ قبول المرشح للتوظيف أو رفضه، وبالتالي فإنّ الخلط بين القطاعات الوظيفية عبر تبادل الموظفين، من شأنه إلحاق الضرر بأصحاب الكفاءات المميزة في قطاعات معينة، والأهم، إلحاق أشدّ الضرر بالمؤسسات والإدارات نفسها لجهة خفض مستوى انتاجيتها وقدرتها على التطوير، إلى جانب إقحامها في التدخلات السياسية لمصالح شعبوية رخيصة.
أمّا في ما يتعلق بذريعة الوضع الاقتصادي والمالي الصعب الذي تعانيه البلاد، فالجميع يدرك أنّ تكلفة الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام قد انخفضت حالياً إلى ١/٨ من تكلفتها التي كانت قبل الأزمة، كما خسر هذا القطاع نحو ٢٥٪ من عديده خلال سنوات الأزمة بفعل الإحالة على التقاعد، والاستقالات الاختيارية والتغيب غير المشروع نتيجة تدني القيمة الشرائية للرواتب والأجور.
إن استئناف التوظيف في الدولة وعلى قاعدة الحاجة الدنيا والكفاءة دون سواهما، بات حاجة ملحّة لسببين، مؤسساتي ووطني. فعلى الصعيد المؤسساتي، ستؤدي سياسة عدم التوظيف إلى مزيد من ترهل الإدارات والمؤسسات وعدم مواكبة التطوّر والحداثة ، وخلوّها من الدم الجديد الذي يضخّ في عروقها، ما يعوق قدرتها على القيام بمهماتها وفق الجودة والسرعة والانتاجية المطلوبة.
أمّا على الصعيد الوطني، فلم يسبق أن قامت أيّ دولة في العالم بوقف التوظيف لخمس سنوات متوالية، بل كانت بعض الدول تلجأ خلال الأزمات الاقتصادية إلى تقنين التوظيف ضمن الحاجة الدنيا وليس وقفه تماماً كما حصل في لبنان. فلا يمكن ولا يجوز لأيّ دولة ترعى شعبها، أن تحرم أجياله الصاعدة من فرصة التوظيف في مختلف القطاعات ولو بأعداد قليلة وضمن الحاجة الدنيا، خصوصاً وأنّ التوظيف يخضع لشرط سنوات العمر، وإلاّ أصبح هناك ما يشبه التمييز العنصري بين هذه الأجيال، وبات سلوك السلطة في هذا الإطار عاملاً إضافياً من عوامل تهجير شباب الوطن.
ختاماً، أتوجه بهذا المقال إلى السلطات اللبنانية وعلى رأسها الحكومة، وهو بمثابة رسالة من شباب لبنان، يؤثرون العيش بتواضع في دفء أحضان الوطن على العيش برغد في صقيع مجاهل الغربة...
العميد المتقاعد دانيال الحداد.