#الثائر
لا يحتاج النظر إلى التعميمين ١٥١ و١٥٨ إلى خبراء في علم المال والاقتصاد والحقوق لمعرفة مدى مطابقتهما للعدالة، فالعشوائية واضحة وضوح الشمس في تصنيف المودعين وكيفية إعادة جزء من الودائع إليهم.
بالنسبة إلى التعميم ١٥١ والمتعلق بالودائع التي تمّ تحويلها من الليرة إلى الدولار بعد ١٧ تشرين ٢٠١٩، فإنّ السحوبات التي سمح بها التعميم جاءت بأسعار متدرجة خلال الأزمة وصولاً إلى سعر ١٥٠٠٠ل للدولار الواحد حالياً، الموافق للسعر الرسمي للدولار، وهو ما عرّض المودعين لخسائر مختلفة بلغت نسبتها ٨٥٪ مؤخراً.
صحيح أنّ دولرة الودائع بعد ١٧ تشرين حصلت من دون تغطية فعلية أي دفترياً، لكنّ هذا الأمر تتحمّل مسؤوليته المصارف ومصرف لبنان بالدرجة الأولى وليس المودعون، وبالتالي كان يجب أن يحصل الهيركات بنسبة معقولة وغير مبالغ فيها كما حصل سابقاً ويحصل اليوم.
من جهة ثانية، فإن التعميم طُبّق أيضاً على التحويلات التي جرت بين المصارف من ودائع كانت مدولرة قبل ١٧ تشرين، وسبب هذه التحويلات هو رغبة العديد من المودعين توزيع أموالهم على أفراد عائلاتهم لتخفيف المخاطر.
من جهة ثالثة، لم يميّز التعميم بين الودائع الأصلية وهي غالباً حصيلة جنى عمر المودعين كتعويضات نهاية الخدمة وادخارات المواطنين، وبين تجار الأزمات الذين اشتروا شيكات مصرفية بنسبة بلغت أحياناً ١٢٪ من قيمتها الحقيقية وقاموا بوضعها في حساباتهم، على أمل تحقيق أرباح خيالية مستقبلاً.
أمّا بالنسبة إلى التعميم ١٥٨، والذي يتعلق بالسحوبات من الودائع المدولرة قبل ١٧ تشرين، فحدّث ولا حرج، فمن وزّع أمواله على عدّة مصارف قبل هذا التاريخ بأسماء أفراد عائلته الواحدة، استفاد من التعميم عدّة مرّات أو من التعميمين ١٥١ و١٥٨ معاً، ومن لم يوزّع هذه الأموال استفاد مرّة واحدة وحُرم من الإستفادة من التعميمين في وقت واحد، وعلى سبيل المثال، من كان لديه قبل ١٧ تشرين ٥٠ الف دولار في مصرف واحد وقام بتوزيعها على ٥ مصارف بمعدل ١٠ آلاف دولار في كل مصرف، يحصل شهرياً على ٢٠٠٠ دولار،، ومن كان لديه ٢٠ مليون دولار في مصرف واحد يحصل على ٤٠٠ دولار شهرياً فقط، فأين المنطق والعدالة في ذلك؟
إن سبب هذا التمييز الفاقع والوقح، يكمن في عدم اعتماد مبدأ النسبية في السحوبات، أي أن تكون قيمة هذه السحوبات مرتبطة بقيمة الوديعة، فعلى سبيل المثال، إذا كان المبلغ المقرّر سحبه من وديعة مصرفية بقيمة ١٠٠ ألف دولار هو ٢٠٠ دولار شهرياً، فمن الطبيعي أن يكون المبلغ المسحوب مضاعفاً أي ٤٠٠ دولار من وديعة مصرفية بقيمة ٢٠٠ ألف دولار، وذلك ضمن حدّ أدنى وحدّ أقصى بطبيعة الحال.
في الختام، أضع هذه المعطيات كمواطن بتصرف حاكم مصرف لبنان بالإنابة وهو الحقوقي الصلب الذي أثبت حتى الآن عدم خضوعه لرغبة السلطة في استنزاف ما تبقى من أموال المودعين، مع التأكيد أنّ طريق العدالة ومهما كانت محفوفة بالأشواك لا بدّ أن تتكلّل بالنجاح ورضى الجميع، وطريق الشعبوية والاستنسابية والترقيع على حساب العدالة محكومة بالفشل في نهاية المطاف، وسخط الجميع بمن فيهم المنتفعون أنفسهم.
العميد المتقاعد دانيال الحداد.