#الثائر
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده ، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "بعدما عيدنا الأسبوع الماضي لجميع القديسين، نقرأ في إنجيل اليوم عن دعوة أربع من التلاميذ هم: بطرس وأندراوس ويعقوب ويوحنا، الذين كانوا جميعا صيادين. فبعد أن قال الرب لتلاميذه في إنجيل الأحد الماضي: «من أحب أبا أو أما أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب ابنا أو بنتا أكثر مني فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني... وكل من ترك بيوتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية»، نجد في إنجيل اليوم أن الشرط الأساسي للقداسة والتلمذة الحقيقية هو التخلي عن الإنسان القديم، مع كل ما يتعلق به من أشخاص وممتلكات، واتباع المسيح. من يفعل هذا يصبح قديسا كالذين عيدنا لهم الأحد الماضي، ورسولا كالذين نصوم حاليا إكراما لهم".
أضاف: "الرب يسوع ليس غريبا عن محيطه، ولم يتحدث مع التلاميذ الأربعة بلغة لا يفهمونها، بل دعاهم بمصطلحات من صلب حياتهم اليومية وإختصاصهم. لم يقل لهم: هلم لأجعلكم مبشرين أو تلاميذ، بل دعاهم ليكونوا «صيادي ناس». للحال تركوا الشباك المتعبة، التي يتطلب إصلاحها وقتا طويلا وجهدا كبيرا، الأمر الذي يرهقهم بسبب عدم النوم، إذ يرمون الشباك ليلا ويسهرون لكي يسحبوها صباحا، ثم يقضون النهار في إصلاحها ليعودوا إلى رميها ليلا، وإن لم يجتهدوا هكذا يخسرون مدخولهم المتأتي من بيع السمك. اصطياد الناس ليس أسهل من صيد السمك. عمل الرسول البشاري صعب بسبب صعوبة جذب الناس إلى المسيح. فهم لا يحبون سماع كلام الله لأنه يلقي عليهم أثقالا لا يريدون حملها، وهي أعمال المحبة والخير والصلاح".
أضاف: "لافت أن المسيح لم يدع كتبة أو فريسيين أو فلاسفة ومتعلمين لكي يتلمذ الأمم، حتى لا يختلط الأمر لدى الناس، فيظنون أن ما يبشر به هؤلاء نابع من الفريسية التي يأنفونها، فلا تجني البشارة حينئذ ثمرا. لهذا، يقول الرسول بولس: «إستحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة... لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس... إختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء، واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء، واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود، لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه. ومنه أنتم بالمسيح يسوع، الذي صار لنا حكمة من الله وبرا وقداسة وفداء، حتى كما هو مكتوب: من افتخر فليفتخر بالرب» (1كو 1: 21-31). إذا، اختار الرب الصيادين غير المتعلمين لكي يرجع فضل البشارة لله وكامل حكمته، ولكي يدهشوا العالم مثلما فعل هو نفسه، فتساءل الناس: «من أين لهذا هذه الحكمة والقوات؟ أليس هذا ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم؟» (مت 13: 54-55). فلو جاء الرب يسوع ملكا أرضيا، لما آمن به أحد، بل لكانوا خافوا من قوته الأرضية وتبعوه حتى مماته، ثم نسوا تعاليمه وما عادوا يذكرون شيئا مما تفوه به أو صنعه. لقد أراد تلاميذ لديهم القابلية للتشبه به من دون تكبر أو تعال".
وتابع: "وبما أن الرب أراد نقل البشارة إلى جميع البشر بلا استثناء، «لأن ليس عند الله محاباة للوجوه» كما سمعنا في رسالة اليوم، شاء أن تنطلق البشارة على أيدي صيادي البحار، الذين يلقون شباكهم غير عارفين ما سيصطادونه، بسبب التنوع في الحياة المائية. هكذا، اختار الصيادين ليصطادوا كافة أنواع البشر، وليس فئة محددة فقط، لأنه «يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون» (1تي 2: 4).
وقال: "إن ترك الصيادين شباكهم هو دليل على التقوى الخفية في قلوبهم، كما أنها تدل على أنهم، حتى ولو كانوا من ذوي الأموال، لكانوا تركوها وتبعوا الرب لأن عطشا إلهيا كان كامنا في دواخلهم. فقد سمعوا عن يسوع من يوحنا المعمدان، وعرفوا ما كان يصنعه من الآيات والمعجزات، وعلموا جرأته وأعجبتهم كلماته، فلم يترددوا في اتباعه. أما نحن، الذين لدينا الكتاب المقدس وأخبار القديسين، فإننا نسرع بعيدا عن الإلتزام بالمسيح، لأن العالم أصبح يجذب الإنسان بماديته وكل المغريات التي تتغلغل سريعا، قالبة الأرض من فرصة تذوق مسبق لملكوت السماوات، إلى عيش مسبق لويلات الجحيم. العودة إلى الكتاب المقدس وأقوال الآباء وسير القديسين ضرورية جدا، من أجل أن يتشدد إيماننا فلا نكون فريسة سهلة للشرير المتربص بنا. فحبذا لو يلغي اشتياق البشر إلى أحضان الآب السماوي، شوقهم إلى عيش أوهام مادية زائلة ليست سوى فخاخ العدو الغاشم".
أضاف: "إن بلدنا يعاني بسبب يد الشر التي تتلاعب به وتتقاذفه غير آبهة إلا بمصالح من استعبدوا أنفسهم لخدمتها. إثنتا عشرة جلسة لانتخاب رئيس لم تكن سوى عمليات إجهاض تمنع إنقاذ بلد، يكون وطنا لجميع أبنائه. لماذا هذا الأسر الذي يقبع فيه بعض النواب الذين يفترض بهم أن يكونوا أحرارا، وأصواتا صارخة بصراخ الشعب اليائس؟ النيابة ليست هروبا من المسؤولية بل هي تمثيل الشعب أحسن تمثيل. هل يؤيد الشعب حقا تصرف نوابه وتقاعسهم عن القيام بواجبهم الأول وهو انتخاب رئيس للجمهورية، لا بالطريقة التي يريدونها بل كما يمليه الدستور؟ هل أحسن التصرف من أدلى بصوته وغادر القاعة وكأنه غير مهتم لا بالبلد ولا بنتيجة الإقتراع؟ هل هكذا تكون الممارسة الديمقراطية؟ وهل ضياع صوت أمر عادي لا يستحق الوقوف عنده أو الإعتراض عليه؟ ما هذه العبثية المدمرة؟ كيف سيبنى وطن لا يستطيع نواب الشعب فيه احترام الدستور وانتخاب رئيس، بجدية وديموقراطية، رئيس لكل البلد، يشارك في عملية انتخابه جميع النواب، ويكون خادما للشعب بأسره، لا لجماعات محددة فقط؟ ألم يحن وقت التخلي عن الأنانيات والمصالح من أجل إنقاذ البلد؟"
وختم: "دعوتنا اليوم هي لاتباع الرب دون تردد، والتتلمذ على كلمته الموصلة إلى القداسة، حتى نكون قديسين كما أن أبانا الذي في السماوات هو قدوس، ونسأله أن يلهم من بيدهم السلطة من أجل العمل المثمر المؤدي إلى خلاص لبنان وأهله".