#الثائر
كتب عدنان القاقون
…….
بداية سأسمح لنفسي بالخروج عن النمط التقليدي للكتابة كمحلل سياسي، طالما أن الوضع اللبناني برمته، قد خرج من نمط الدولة الحاضنة للمؤسسات. لقد غاب رجالات الدولة، واستفحل الفساد، فيما بقي المواطن اللبناني على رصيف الفرج، يتابع آخر ما توصّل إليه المنجّمون.
***
صباح يوم ربيعي جميل لاحظ ابو نمر حركة مريبة، في خروج أبناء الضيعة من منازلهم، للتمتع بأجواء التفاهم السعودي الإيراني ..فها هو ابو حسين يتجاوز، على غير العادة، حواجز دويلات الطوائف، ويقف مع صديق عمره ابو جوزف أمام دكانة ابو مصطفى ليتبادلا بمودّة شجون الحياة وهمومها.!
كيف حسين يا بو حسين ؟
كيفك يا بو جوزف العسي مرَيَضين ومرتاحين؟ كيفو جوزف عرفت عم يبرم ع شغل؟
الحمدلله جوزف خلص مهندس زراعي، بعت شقفة الأرض لعلمتو، وراح يشتغل سكيوريتي (حارس أمن) بالمدينة..يا خيي أم جوزف ساخنة (مريضة)وبدها كيس دوا كل شهر، هي الشركة بتعطي تامين.
الله كبير الله بيفرجها ..قالها بصوت واحد كُلّاً من ابي حسين وابي جوزف
"ما في ولا شدة بتدوم" يقولها ابو مصطفى، وهو يخرج من دكّانه حاملاً بيديه كمشة قضامة(مكسرات)" تفضلوا ع الميسور، الدولار طاير والدكان فضي ما فينا نضّيفكم"
ما راح يصحّ إّا الصحيح يا إخوان، يقولها ابو معروف، وهو يطل عليهم من شرفة منزله، المطل على الساحة "تفضلوا أم معروف عم تخبز ميلو ميلو كلوا طلمة دهن (معجنات)"
أم معروف حول الصاج على الحطب، الذي نبشته من الماضي بسبب غلاء الغاز، يطالعها ابو جوزف قائلا" شووو مصغري المعجنة يا أم معروف"؟
يا خي شو بدنا نعمل، الشباب سافروا من غير شر ، لمين بدنا نخبز ؟
هذا المشهد ،مشهد التلاقي استفز ابو نمر، ضرب يده بقوة على جيبه، التقط الهاتف "الووووو بو نايف وينك"؟
-شو في يا بو نمر شو في ؟
-لاقيني على مقهى ساحة النجمة بسرعة
-يا خيي شو فيييي؟
-بس شوفك بتعرف ..لاقيني.
ما هي إلّا دقائق حتى خرجت القنوات الفضائية باخبار عاجلة "تلمّساً لمعاناة الشعب، يعقد الزعيمان ابو نمر وابو نايف اجتماعاً طارئاً في مقهى ساحة النجمة، لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، التي تهم المواطن اللبناني، مع التأكيد على التمسك بثوابت السيادة والوطنية والميثاقية ..تابعونا مع كل جديد ..
يحضر ابو نمر الى طاولته المعتادة في مقهى ساحة النجمة بانتظار ابو نايف..
_ساااااعة ..سااااعة لتوصل؟
يا خيي كنت عم سلم ع جوزف بيشتغل بره سكيورتي يا حرام شوف كيف بس سالتو عن بيو قدام صحابو!
بدأ بو نمر حديثه محتداً "شفت بو جوزف وبو مصطفى وبو حسين مع بعض اليوم ..لا وأم معروف عم تبقطهم(تطعمهم) طلامي بدهن.
-شو عم تحكي يا بو نايف كيف التقوا ..هيك بيفلت الملق.
بينما يغط بو نمر في تفكير عميق يفاجئه بو نايف "احكي بو حنا قاعد ع الطاولة حدنا خليه يجي؟
_أبحكيش معو ..أبطيقوش
-في مصيبة هلق أحكيه يجي ؟
-بنجور خيي بو حنا فيك تشرفنا شوي ؟
-لا أنتو تعو ع الطاولة لعندي
-يرد بو نايف وابو نمر بصوت واحد "قوووووم لهون في مصيبة"!
يشعر بو حنا بعمق الأزمة يحمل فنجان الكافيه لاتيه بيده، وينتقل إلى طاولتهما، وما أن أدرك أبعاد الموضوع حتى ارتجفت يداه وانسكبت القهوة على قميصه وبنطال ابو نايف
_نزعنا القميص
_نزعتلي بنطلوني
"قرد انت واياه "يجفرهما ابو نمر "خايفين ع قميصك وبنطلونك مش خايفين من ردة فعل الناس بالانتخابات"؟
يرد بو نمر ببرودة "بسيطة افيش انتخابات لا بلدية ولا اختيارية" شو الحل ؟
-بو حنا: بردون يا شباب شو رأيكم نأجج طائفياً ؟
-بو نمر :لاه أبقاش مسموح ..شو رأيك يا بو نايف أحكي كلمة؟
-كنت عم فكر كبر صندوق الإعاشة..بس أبقاش في مصاري.
يخيم صمت القلق على المستقبل في أرجاء مقهى ساحة النجمة، لقد زعزع التقارب السعودي الإيراني أركان دويلات الطوائف في لبنان، وتصدّعت معها أعمدة المحاور، التي شيدت عليها قلاع المنظومة، فما الذي سيقوله هولاء لاستقطاب المجاميع التي تتخندق حول هذا المحور، ضد ذاك؟ فالمحاور أو بمعنى أدق الشماعات قد سقطت..
فجأة تكسر هرولة جوزف صمت المجتمعين، وهو يتجه نحو صاحب المقهى "بدي اعتذر منك يا عم أنا مش راح أقدر كمل شغل ..طالع ساعد بيي بدو يزرع الأرض مع عمي بو معروف وبو حسين وبو مصطفى.
يلتفت له ابو نمر وابو نايف وابو حنا بصوت متهكم واحد: ومعكم مصريات (نقود) الشتل؟
يرد المهندس جوزف :الشباب اللي هجرتوهم بعثوا لنا لنعيش بارضنا ..بكرامة
***
ملاحظة:مع الاعتذار للفنانين الكبيرين دريد لحام ورشيد عساف اللذين جسدا شخصيتي ابو نايف وابو نمر في مسلسل الخربة،