#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
يقول سفراء بعض الدول في لبنان أنهم لا يتدخلون بالأسماء لرئاسة الجمهورية، فهل مَن يُصدّق ذلك؟؟؟
لم تعد مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، موضوعاً داخلياً بحت، بل هي مرهونة بشكل كامل، بالتوازنات الخارجية.
فمبادرة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، التي طرحها للحوار والاتفاق على اسم وسطي، فشلت ويتعاطى معها الجميع وكأنّها لم تكن، وربما أهم أسباب ذلك هو أنه لم يحن بعد موعد انتخاب رئيس جديد للبلاد وفق الأجندة الدولية.
يعلم الجميع أن لا قدرة لأي فريق على إيصال مرشحه للرئاسة وتأمين فوزه ولو ب ٦٥ صوتاً، مهما تتالت جلسات الانتخاب، ولذلك يختبئ النواب خلف أصابعهم، ويُعطّلون نصاب الجلسات، في مشهد درامي مضحك مبكي في آن.
يتسأل الجميع عن سبب توقيت إعلان الرئيس نبيه بري وحزب الله عن دعمهما ترشيح سليمان فرنجية، وتمسكهما بذلك رغم الاتفاق السعودي الإيراني، ولم يكن دعمهما هذا خافياً على أحد، منذ اليوم الأول الذي بدأ فيه البحث عن رئيس جديد للجمهورية.
ويعتقد بعض المحللين أن هذا الفريق يعلم جيداً أنه لا يمكن تأمين فوز فرنجية الآن، وسقط حساب جمع ٦٥ صوتاً لانتخابه، وذهب البعض في تحليلاته بأن بري أخطأ الرهان، وأن حزب الله أحرق أوراقه، وغير ذلك الكثير، وكل هذه التحليلات لا تخلو من المبالغة والأهواء.
ليس الرئيس بري من يرتكب خطأً كهذا، وهو العارف بخبايا الأمور، والممسك بزمام البرلمان، واللعبة الانتخابية.
لقد عقدت خمس دول، مهتمّة بالشأن اللبناني، اجتماعاً في باريس، حضره المصري على مضض، بعد إلحاح فرنسي، واستُبعد عنه الأيراني، وطبعاً الروسي والسوري وكل هؤلاء لهم شأنٌ في لبنان.
عندما اتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالقيادة الإيرانية، سمع جواباً واضحاً: " إن موضوع رئاسة الجمهورية اللبنانية شأنٌ لبناني، وتحدثوا فيه إذا اردتم، مع حزب الله".
إيران مطمئنة جداً لموقف حزب الله وقدرة أمينه على إدارة هذا الملف.
فشل اجتماع باريس في الاتفاق على مُرشّح، وهم كانوا يعلمون أصلاً أن لا قدرة لهم على فرض مرشح، فاكتفوا بتوجيه بعض الرسائل، التي لم تؤدِ إلى نتائج ملموسة.
أعلن حزب الله دعم ترشيح فرنجية، فرفع سقف المواجهة وقطع بذلك الطريق على بعض المرشحين، ولا شك أن خطوته هذه، هي رسالة للخارج، أكثر بكثير مما هي موجّهة للأفرقاء في الداخل.
"إذهبوا وتحدّثوا مع إيران"
أكد السيد نصر الله أنه: "لا يمكن لأحد أن يفرض علينا رئيساً لا نريده"، وطبعاً كلامه موجّه بالدرجة الأولى إلى الأمريكي، فالدول الباقية ليس لديها القدرة على فرض رئيس للجمهورية في لبنان.
وكون جوهر الصراع في المنطقة، هو بين أيران والولايات المتحدة الأمريكية، فالخلاف الكبير يدور ليس على الملف النووي كما يعتقد البعض، فالاتفاق النووي كان قد أنجز وبقي فقط التوقيع عليه، والإعلان البروتوكولي عنه فقط.
أما جوهر الخلاف الحقيقي، فهو على الدور الذي ستلعبه إيران في المنطقة، وهذا ما لم يتم حسمه بعد، نظراً لتشعّب المسائل، من العراق، والخليج، إلى اليمن وسوريا ولبنان وفلسطين، ولعل النقطة الوحيدة المتفق عليها بين الأمريكي والإيراني هي أفغانستان.
يبدو أن التسوية في لبنان عالقة، فالملفات الدولية عديدة وضاغطة لدى الإدارة الأمريكية، ولبنان حتماً ليس في سُلّم الأولىيات، لكن عندما يحين الوقت سيذهب الجميع إلى جلسة انتخاب الرئيس، وتصدح حناجر النواب، مهللين لفخامة الرئيس، وكأنهم هم فعلاً من خاض المعارك، وشق غبار الأعداء، وفتح طريق المستقبل للبنان.
يعلم رئيس التيار الوطني الحر أنه غير قادر على فك تحالفه مع حزب الله، وإذا ما فعل ذلك، سيخسر كثيراً في الانتخابات القادمة، وقد يخسر الآن عدداً من نواب التكتل، الذين ما زالوا حتى اللحظة مجتمعين معه، بحكم الضرورة والقوة القاهرة والمصلحة، وليس إطلاقاً بسبب اقتناعهم السياسي بقيادة باسيل.
يعلم حزب الله ظروف باسيل، الذي دفع كثيراً ثمن علاقته بحزب الله، فوقع تحت وطأة العقوبات الأمريكية، وزاد نفوذ أخصامه، داخل الطائفة المسيحية، وقد تزداد قدرتهم على الأكل من صحنه، في حال فك تحالفه مع الحزب، لذا فالحزب مطمئن لمساحة الحرية في حركة رئيس التيار الوطني الحر، حتى أن السيد نصر الله، بدا في خطابه، متفهماً لكلام باسيل، وقدّم له الأعذار والمبررات، ولكنه حرص على إبقاء التواصل والتحالف ،رغم بعض الاختلاف في وجهات النظر.
يعلم الجميع أن لا قدرة لفريق المعارضة، على فرض ما يطالبون به، خاصة ما يتعلّق بنزع سلاح حزب الله، فالجيش اللبناني لن ينجر إلى معركة مع الحزب، ولدى قائده العماد جوزف عون، ما يكفي من الحكمة والتبصّر، لعدم الدخول في متاهة الصدام والحرب الأهلية.
أمّا الراغبون في استخدام القوة لنزع سلاح حزب الله، فلا قدرة لديهم على فعل ذلك، والدول الخارجية لا ترغب في الدخول مجدداً في الوحل اللبناني ولا بإرسال جندي واحد من جنودها.
عندما يحين وقت انتخاب رئيس للبنان، لن يكون الأسم مهماً، بقدر ما سترسمه معركة انتخاب الرئيس من توازنات وتحالفات للسنوات الست القادمة. ولذلك سيبقى تحالف باسيل مع حزب الله، وسيؤمن التيار الوطني الحر النصاب والغطاء لجلسة انتخاب مرشح حزب الله، وقد يكون سليمان فرنجية هو الأوفر حظاً ليصبح فخامة الرئيس، وبغطاء وموافقة من باسيل.