#الثائر
- " أنور حامد "
لا أذكر تماماً كم كان سنّي عندما سمعتهم يتحدثون عن "الإمبريالية". لكنني أعتقد أنني لم أتجاوز في حينها أعوامي الستة. كان لتلك الكلمة المعقدة اللفظ على طفل يافع وقعٌ غريب. أو ربما ذاك الوقع كان بسبب شدة احتدام النقاش الذي كان دائراً بين "أصحاب الرأي" الحاضرين في حينه. فأطلقت تلك العبارة العنان لمخيلتي في محاولة لفهم معناها، ومن شدة معارضة "أصحاب الرأي" "للإمبريالية" وحماوة النقاش، خّيل لي بأنها غولٌ قادم من الغرب البعيد له أسنان حادة ولديه شره كبير لإلتهام الشرق. لم أكن واثقاً في تلك اللحظة من دقة استنتاجي، لكن راودتني قناعة بأنها شرٌ لا محال!
مع تقدمي في السن قليلاً وادراكي بأن الغيلان ليست سوى شياطين من نسج الخيال، أصبحت "الإمبريالية" في مفهومي هي عبارة عن كلمة مرادفة "للغرب" (أميركا وأوروبا) ومخططاته الإستعمارية والتوسعية التي تسعى للسيطرة على العالم خدمة للرأسمالية الجشعة التي ناصبت العداء للفكر اليساري الذي بدوره يسعى لبسط العدالة بين كافة فئات البشر. ولا أنكر بأن هذا المفهوم لم يكن سوى فهم مبسط للواقع القائم في حينه وهو حتماً بعيد كل البعد عن المفاهيم العلمية.
بغض النظر عن سطحية تفكيري في حينه نظراً لصغر سني، وبغض النظر أيضاً عن انتماء أي منا لأي معسكر كان قائماً في ذاك الزمان، فمما لا شك فيه أن الرؤى كانت أوضح عندها. فالأبيض كان أبيضاً والأسود كان أسوداً، اليسار يساراً واليمين يميناً وما عليك سوى السير خلف قناعاتك. تعادي هذا وتؤيد ذاك والعكس صحيح أيضاً، وكلٌ يناضل في سبيل تحقيق قناعاته التي يؤمن بها كل الإيمان.
أما اليوم، وقد شارفت على انهاء عامي الـ45. وقفت متأملاً حال العالم الحديث. فوجدت بأن قيصر روسيا قد عاد، وهو يبسط جيوشه في سوريا وأوكرانيا. وبأن امبراطور الصين العظيمة قد عاد أيضاً منتصراً في
هونغ كونغ على بريطانيا وفي ماكاو على البرتغال وعيناه شاخصتان نحو تايوان، واحتلاله الناعم لدول العالم عبر بوابة الإقتصاد سيل جارف لا يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه. وإيران الثورة الإسلامية امتدت سلطتها من طهران الى لبنان وسوريا والعراق فاليمن. وسلطان تركيا قد اعتلى العرش مجدداً وها هو يتوغل في سوريا وليبيا.
فتوجهت بنظري غرباً لأجد أميركا ما زالت ذالك الحوت الرأسمالي الكبير الذي يسعى لتوسيع سيطرته الإقتصادية ويصدر العقوبات بحق أهل المعمورة دون أي رادع وينشر جيوشه حيث يطيب له. وبأن بريطانبا ما زالت بريطانيا العظمى، وأوروبا قد اتحدت لتجاري جبروت الأميركي وعظمة الصين وروسيا.
فاحترت في أمري! وتوجهت الى مستشاري الخاص "Google" عبر كتاب خطي مباشر، طالباً منه تعريف "الامبريالية" عله يحدّث معلوماتي المستقاة من الكتب العتيقة. فجائني بالرد التالي:
"الإمبريالية، سياسة أو ايدولوجية تهدف لتوسيع نطاق حكم الشعوب والدول الأخرى بغية زيادة فرص الوصول السياسي والإقتصادي وزيادة السلطة والسيطرة، ويكون ذلك غالباً من خلال استخدام القوة الصارمة، وخاصة القوة العسكرية، ولكن أيضاً من خلال القوة الناعمة."
وَيحكَ أيها المستشار. لقد زدت الطين بلة. أي امبريالية سأعاديها الآن؟ لقد فاتتني فرصة معدات امبرياليات الثمانينيات بسبب صغر سني، وكيف لي أن انتقي أي امبريالية سأعادي اليوم ؟!
عندها امتلكني شعور بالحنين (Nostalgia) الى امبرياليات الماضي القريب.
أعيدوا لي امبرياليتي كي أناصبها العداء.
أو خذوا ما شئتم من امبرالياتكم لكن أعيدوا لي اشتراكيتي.