#الثائر
الجمهورية: حسان الحسن-
تصدّرت أزمة النزوح السوري الى لبنان صدارة الأوضاع والقضايا، خصوصاً بعد موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الاخير الذي أكد فيه تصميم الحكومة على إعادة النازحين الى وطنهم، بلا موافقة دولية، كونه أضحى آمناً، بعد استعادة السلطات السورية معظم أراضيها. وبالتالي، لا داعٍ لبقاء هؤلاء النازحين في لبنان الرازح تحت أزمة اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة في تاريخه الحديث، بعدما أصبح 82 % من اللبنانيين تحت خط الفقر، وكذلك 91 % من النازحين السوريين، جلّهم مقيم في المخيمات والأكواخ في الظروف المناخية القاسية، ويبلغ عددهم نحو 863000 ألف نازح، بحسب أرقام الجهة الرسمية اللبنانية المعنيّة بملف النزوح كاشفة أنّ مجمل المساعدات المخصصة لهؤلاء لم يتعدَّ ثمانية مليارات من الدولارات.
منذ اندلاع الأزمة السورية منتصف آذار 2011 حتى العام 2022، رَتّبت أعباء النزوح الى لبنان على الخزينة نحو 45 مليار دولار، وفقاً لتقديرات الجهات الرسمية اللبنانية المعنيّة، من خلال استفادة هؤلاء النازحين من الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة وفي طليعتها مصرف لبنان، وشركة الكهرباء والبلديات، كدعم المحروقات، والطحين، والدواء، والكهرباء بلا رسوم، ورفع النفايات عن الطرق، على سبيل المثال، لا الحصر. وفي هذا الصدد، تلفت الجهات عينها الى أن الحكومة اللبنانية متجهة الى رفع الدعم عن الطحين أيضًا عاجلًا أم آجلًا، ما سيفاقم الأزمة المعيشية، ويرفع منسوب الجريمة في البلد، والتي ارتفعت أصلًا بفعل النزوح.
وفي هذا الصدد تؤكد مصادر وزارية أن لدى الحكومة مُجتمعة توجّهاً بإعادة النازحين الى ديارهم، ولكن في الوقت عينه تنفي هذه المصادر وجود خطة جاهزة، أو آلية لتحقيق العودة المأمولة، باستثناء الموافقة التي حصل عليها وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين لزيارة دمشق، من اللجنة الوزارية لعودة النازحين التي يترأسها ميقاتي، إفساحًا في المجال له للتحاور مع السلطات السورية لتسهيل العودة المرتجاة. مع العلم أن وزارة شؤون النازحين السابقة، إنتقلت صلاحياتها الى وزارة الشؤون الاجتماعية، بعد إلغاء الأولى.
وفي هذا الإطار تؤكد مصادر رفيعة في وزارة الشؤون الإجتماعية أن وزيرها هيكتور حجار طلب من اللجنة الوزارية لعودة النازحين تفويضه التنسيق مع السلطات السورية لتسهيل «العودة»، ولم تفصح هذه المصادر عن مدى تجاوب الحكومة مع طلبه.
وتُثني المصادر الوزارية على دور وزارة الشؤون في اعمال إحصاء النازحين، وزواجهم، وولاداتهم، وإقامتهم، كونها تساهم في تسهيل مهمة إعادتهم الى بلادهم في الظرف المناسب.
ويعزو مرجع سياسي لبناني متابع لملف النازحين، سبب تكليف شرف الدين التواصل مع دمشق، كَون حجار هو ناشط اجتماعي، ويترأس جمعيات تعنى بأعمال الإغاثة والشؤون الاجتماعية، لذلك يخشى «زعل» المنظمات الدولية، وبالتالي لن يقدم على أي خطوةٍ تستجرّ غضبها وتوقف دعمها المالي له ولجمعياته، ما دامت الدول الغربية متمسكة بموقفها الرافض عودة النازحين في المرحلة الراهنة.
ويؤكد المرجع عينه «أن السبيل الوحيد لبداية وضع أزمة النزوح على سكة الحل الجدي هو دعوة مجلس الوزراء الى الإنعقاد، واتخاذ قرارٍ بالتحاور مع الحكومة السورية للتفاهم على صيغة لإعادة النازحين». وجزم في «أن كل كلام خارج قرار مجلس الوزراء هو «حكي فارغ»، معتبراً «أن مجلس الوزراء غير جدي في معالجة قضية إعادة النازحين».
لذلك، يسأل المرجع: «لماذا لا يبادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى عقد لقاء قمةٍ مع الرئيس السوري بشار الأسد، على أن يكون في صدارة جدول أعمالها التفاهم على تحقيق عودة النازحين الى ديارهم، ليشكل بذلك منطلقًا رسميًا للاتفاق بين الجانبيَن على حلٍ لهذه الأزمة الخطرة، ولرسم الأطر اللازمة لإنهائها.
واعتبرالمرجع «أن ما يقوم به وزير المهجرين هو مجرد سعي فردي، وقد يصب في رصيد مرجعيته السياسية، أي الأمير طلال إرسلان، صديق القيادة السورية، لا أبعد من ذلك».
ورداً على «حركة شرف الدين»، تؤكد مصادر ديبلوماسية ناشطة على خط بيروت - دمشق «أن الحكومة السورية جاهزة لاستقبال أبنائها، وهي تنتظر خطوة رسمية من الحكومة اللبنانية لبداية تحقيق «العودة». والأخيرة بدورها تنتظر الموافقة الدولية للمباشرة في إعادة النازحين. ولكن حتى الساعة لم يتخذ الجانب اللبناني أي إجراءٍ عملاني وجدي في هذا الشأن».
وتعتبر المصادر «أن كلام ميقاتي وسواه عن تطبيق القوانين على النازحين في لبنان، كقانون الإقامة أو إجازة العمل، يُناقض سلوك الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ العام 2011، حين إندلاع الأزمة السورية حتى الساعة»، لافتةً الى «أن هذه الحكومات، كانت ولا تزال توقع «خطة لبنان للإستجابة للأزمة السورية»، وهي أحد برامج الأمم المتحدة لدمج النازحين في المجتمع اللبناني، ولحفظ «ماء الوجه» أمام الرأي العام اللبناني، وقّعت الحكومات هذه الخطة، مُكتفية بكلمة «بتحفّظ على صفة لاجئ بدلاً من نازح».
وتكشف المصادر «أن أكثر من 200 ألف نازح سوري في لبنان كانوا يحملون بطاقة لاجئ من الأمم المتحدة، الى أن ضبطها الأمن العام اللبناني في مرحلةٍ سابقة». وتوضح «أن اللاجئين هم أشخاص عبروا حدوداً دولية ومعرضون لخطر الاضطهاد في بلدهم الأصلي، في حين أن النازحين لم يجتازوا حدودا دولية ولكنهم فرّوا أيضا من ديارهم لسبب من الأسباب».
وتنفي المصادر علمها بأي تفاصيل سيحملها شرف الدين الى دمشق الأسبوع المقبل، للبحث مع الجانب السوري في شأن عودة النازحين.
وتسأل: «هل أن وزير «المهجرين» اللبناني مخوّل من حكومته البت في تحقيق «العودة» في حال بتّت الجهات السورية المعنية بحل هذه الأزمة خلال لقائها المرتقب معه؟».
وتكشف المصادر الديبلوماسية للمرة الأولى «أن الحكومة اللبنانية الراهنة، تلقّت في الأشهر القليلة الفائتة، وثيقة من سوريا تتضمن آلية عملانية لعودة النازحين، ولكن حتى الساعة لم تتلق دمشق أي جوابٍ على هذه الوثيقة».
وتختم المصادر: «حتى الكابل البري بين البلدين، من بيروت إلى دمشق، لتأمين الاتصالات وسِعات الإنترنت بينهما ولدول الجوار، والمقطوع منذ العام 2013، لم يستجِب أيّ وزير اتصالات لبناني في الحكومات المتعاقبة لإصلاحه، على رغم من المطالبة المتكررة بصيانته».
والى ذلك، يعتبر مرجع رسمي سوري مَعني مباشرة بملف النزوح «أن المواقف اللبنانية المستجدة من أزمة النزوح، هي شعبوية وغير جدية، فالحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تستجب لمبادارت عدة طرحتها دمشق منذ العام 2013 لإعادة النازحين، كمبادرة وزير المصالحة الوطنية السورية السابق علي حيدر، ومبادرة المجلس الأعلى اللبناني - السوري في العام عينه أيضًا.
ويؤكد المرجع من خلال تجربته «أنّ أزمة النزوح السوري فتحت أبواب الفساد والسمسرة على مصاريعها، ليس في لبنان فحسب، بل في دول المنطقة التي تستضيف النازحين السوريين على أراضيها».
ويكشف «أن بعض الجهات الرسمية والمنظمات الحكومية والتجار، جَنوا الثروات جرّاء استغلال أزمة النزوح السوري، من خلال التلاعب بمعايير الجودة بالمواد الغذائية ومختلف أنواع المساعدات المخصصة للنازحين».
ويلفت المرجع السوري الى «أن عائقًا أساسيًا يحول دون عودة النازحين من لبنان الى سوريا، هي المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية وغير الحكومية الى النازحين في لبنان»، كاشفاً «انّ نحو 500 ألف نازح سوري منتشرين في لبنان، أي نحو (الثلث) يرفضون العودة فقط بسبب تلقّيهم المساعدات، وليس لأي سببٍ آخر». ويعزو سبب استمرار تدفق المساعدات الدولية على النازحين، لحضّهم على عدم الإستجابة لكل المبادرات الرامية الى عودة اللاجئين الى بلادهم قبل عقد تسوية سياسية في المنطقة. ويشير المرجع الى «أن عودة النازحين الى بلادهم في المرحلة الراهنة يؤشّر الى التعافي في سوريا، وهذا ما لا يناسب دول المحور الخصم لها».
ويلفت الى «أن أربعة ملايين نازح سوري موجودون بين تركيا وإدلب فقط، وتسعى دول المحور الخصم الى إبقائهم تحت سيطرتها، لتوظيفهم في أي عمليةٍ سياسية تخدم أهداف هذا المحور، كإجراء إنتخابات أو اي إستفتاء في مرحلة لاحقة على سبيل المثال». وفي المحصلة، يعتبر المرجع أن «لدى لبنان الرسمي توجّها لعودة النازحين، ولكن لا خطة جديدة تؤول الى تحقيق «العودة».
وعن موقف المعارضة السورية، تستبعد مصادرها البدء في إعادة النازحين جديًا الى بلادهم، قبل التوصل الى حل سياسي للأزمة السورية، كون قضية النزوح هي أحدى متفرعات الأزمة السورية، وحلها مرتبط بحل الأزمة ككل».
الجمهورية