#الثائر
فيما القوى السياسية تتحضر للانتخابات النيابية المقررة منتصف أيار المقبل إذا لم يطرأ ما يؤدي الى تأجيلها، ثمة تساؤل مشروع حول كيفية تعاطي المكوّن السنّي مع هذا الاستحقاق، وما إذا كان هناك من جهة مهيّأة او مستعدة للعب الدور، وكيف ستتم التحالفات في العاصمة وفي سائر المناطق اللبنانية.
مصادر سياسية بارزة، قللت من حجم هذه التساؤلات، وتوقعت في حديث مع "الأنباء الالكترونية" أن "يكون لدار الفتوى والمفتي الشيخ عبد اللطيف دريان دور أساس في المحافظة على حقوق المكوّن السنّي باعتباره حجر الأساس في تركيبة النظام السياسي منذ قيام دولة لبنان الكبير مرورًا بمرحلة الاستقلال في العام 1943 وما عُرف آنذاك بتسوية بشارة الخوري ورياض الصلح، وصولاً إلى مؤتمر الطائف والدور الكبير الذي قام به الشهيد رفيق الحريري لإنهاء الحرب الأهلية وإعادة إعمار لبنان، وما قام به الرئيس سعد الحريري بالعمل على ترسيخ السلم الأهلي والاعتدال والحرص على منع الفتنة السنية الشيعية جراء التمدد الايراني في العراق وسورية واليمن".
المصادر رأت أن "الأمور لن تبقى على ما هي عليه"، وأشارت إلى "دور كبير في ادارة المعركة الانتخابية قد يلعبه عدد من القيادات الحريصة على حقوق الطائفة السنّية بغية المحافظة على التمثيل السنّي والوقوف سداً منيعاً بوجه الطامحين بمصادرة جمهور الحريري من داخل المكون السنّي وخارجه".
وفي شأن ما تردد في الأيام التي تلت عزوف الحريري حول القلق على الاعتدال السنّي، قال المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية النائب السابق عماد الحوت في حديث مع جريدة "الأنباء" الالكترونية إن "الاعتدال سلوك وليس شعاراً، بل رغبة حقيقية في تقبل الآخر وعدم التفرد والإقصاء، وهذا لكي يكون فاعلاً ينبغي ان يكون سمة مجتمع وليس أفراد، وهو ما يتمتع به سنّة لبنان على اختلاف هيئاتهم وشخصياتهم، وبالمقابل فإن المطالبة بالتوازن والحقوق ومنع تسلط البعض على البعض الآخر والرغبة ببناء دولة المواطنة والمؤسسات والمناداة بالعدالة والحرية والحرص على افضل العلاقات مع المحيط العربي والتأكيد على العداء للكيان الصهيوني، ليسوا بحال من الأحوال مؤشرات تطرف وعدم اعتدال، بل هي مؤشر وضوح ورؤية طالما تعتمد على الإقناع والأدوات السياسية بعيدا عن ممارسة عنفية والاستقواء بسلاح".
أمّا حضور المكوّن السنّي في الحياة السياسية في لبنان، فطمأن الحوت إلى أنه دور "مستمر في رسم مستقبل البلاد، بلا خوف بإذن الله، فهو مكون مليء بالطاقات، والمهم اليوم لتعزيز هذا الحضور أن نعمل على أوسع إطار تشاوري بداخل هذا المكون، وننتقل بذلك من قيادة الفرد الى قيادة المجموعة، وهذا هو الأصح والأفضل لتحسين الذات وتعزيز الدور والانطلاق نحو مشروع بناء الوطن رؤية وطن دولة مواطنة".
وفي السياق، أشارت "الجمهورية" الى ان القوى السياسية المربكة في مجملها من قرار الحريري، تجد صعوبة في رسم معالم المرحلة المقبلة، في ظل صورة مبهمة تعاني اهتزازا سياسيا لم تألف مثله من قبل، يصعب معه تقدير أي تحوّلات ستلفها، وفي أي اتجاه، وكذلك تقدير أي اصطفافات ونوعها وحجمها، قد تتولّد عنها في الفترة السابقة للاستحقاق الانتخابي في الربيع المقبل.
فالمشهد الداخلي، على ما تعكسه اجواء ما بعد قرار الحريري، يغلي بالاحتمالات، والصالونات السياسية على اختلافها طافحة بالسيناريوهات المتشائمة، ربطاً بالصورة السنيّة المصدومة في معظمها، والتي يخيّم الإحباط على مستوياتها.
ومن وحي تلك السيناريوهات التي تفترض قيام مشهد جديد وقواعد اشتباك او التقاء داخلية جديدة، وخلط اوراق السياسات والتحالفات تفضي الى توازنات جديدة على أنقاض صيغة التوازنات القائمة حاليا، تبرز ما تبدو أنها خشية جدية من أن مفاعيل قرار الحريري قد لا تكون مؤجّلة النفاذ حتى الاستحقاق الانتخابي بعد اربعة أشهر، إذ ليس من المستبعد على الإطلاق أن تكون المفاعيل آنية، وفورية النفاذ، بمعنى أن قرار الحريري بات في حكم النافذ منذ الآن، بحيث أنه قد يترجم بانكفاء كتلة المستقبل النيابية وتعليق نشاطها المجلسي والانقطاع عن المشاركة في جلسات اللجان النيابية والجلسات العامة لمجلس النواب. ولهذا الامر إن حصل فعلا تداعيات مجلسية خصوصاً ان كتلة المستقبل ترأس ثلاث لجان نيابية، وتحتل موقع المقرر في لجنتين نيابيتين، ولها اعضاء في كل اللجان النيابية الى جانب عضو في هيئة مكتب المجلس النيابي وعضو في المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ما تجدر الإشارة اليه في هذا السياق، أنّ جلسة للجان المشتركة؛ المال والموازنة والادارة والعدل والاقتصاد، كان مقررا ان تعقد يوم امس، الا انها تعطّلت، وتم تحديد موعد جديد لانعقادها في 31 من الشهر الجاري.
وفي الوقت الذي تتزايد التكهنات السلبية حول مصير الانتخابات النيابية في الربيع، جرّاء خروج الحريري وتيار المستقبل من المشهد الانتخابي، بالتوازي مع حديث يتردد في بعض الاوساط عن ان الحريري سيستقر نهائيا في دولة الامارات العربية المتحدة، فإنه في موازاة ذلك، تتسارع التأكيدات لدى اكثر من مستوى سياسي ورسمي لإجراء الانتخابات في موعدها وعدم تأجيلها تحت اي سبب او عذر او ذريعة.
واللافت للانتباه في هذا المجال، أنّه على الرغم من الحسم الذي اطلق فيه الحريري قراره، الا انّ بعض المستويات السياسية تخالف كلّ ما هو سائد من روايات في الداخل والخارج، واحاديث عن فيتوات اقليمية فرضت انكفاء الحريري وتياره السياسي، حيث أنّها لا تقطع الأمل في امكان بروز ظروف جديدة في المرحلة المقبلة، من شأنها أن تعدّل من موقف الحريري. ذلك ان السياسة متحركة ولا شيء ثابتا فيها.
وفي هذا السياق، أبلغت مصادر سياسية مسؤولة إلى "الجمهورية" قولها إن ما استجد لا ينبغي التسليم به واعتباره امرا مقضيا، بل الاساس الذي يجب ان يبقى هو ابقاء التوازن الداخلي على ما هو، ومن هنا فإن الحفاظ على هذا التوازن، ومنع أي اخلال فيه يصيبه، يوجبان أن يُعمَل من الآن على قاعدة ان الصورة السياسية الداخلية لا تكتمل الا بوجود الحريري وتياره السياسي في الحياة السياسية، وبالتالي العمل على جعل هذا القرار قابلاً للتعديل والتراجع عنه. لا شك أن هذا الامر صعب، ربطا بإصرار الحريري عليه حاليا، الا انه ليس مستحيلا إن جرى الركون الى الضرورات الوطنية التي تحتّم تعديلا في المواقف.
واذا كان بعض الاطراف قد اعتبروا خروج الحريري فرصة لوراثته سياسيا ونيابيا، وقد بدأت بعض الاصوات ترتفع في اتجاه القول ان خروجه من الساحة ليس نهاية الدنيا، فهو اتخذ قراره، وهو يتحمل مسؤوليته. ولا يجوز تحميل البلد وزر هذا القرار وتبعاته وتداعياته. فيما بدأت قوى سياسية في مغازلة قاعدة تيار المستقبل وتوجيه الدعوات لها للتنسيق الانتخابي. ويأتي ذلك بالتزامن مع بيان الناطق باسم الخارجية الفرنسية الصادر امس الاول، الذي كان لافتاً للانتباه في مضمونه الذي حمل دعوة غير مباشرة الى تجاوز انكفاء الحريري والتعامل معه كمسألة شخصية، حيث اعتبر ان قرار الرئيس الحريري "يعود له، ونحترمه ولا يعود لنا التعليق عليه. ويجب ألا يؤثر ذلك في ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية اللبنانية في موعدها المقرر في 15 أيار، بشفافية وحيادية".
الى ذلك، علمت "الجمهورية" ان الساعات الثماني والاربعين الماضية قد شهدت سلسلة لقاءات ومشاورات سياسية، ونقاشات حزبية على غير صعيد، لتقييم تداعيات قرار الحريري وتقدير خلفيات وابعاد هذا التطوّر.
وبحسب المعلومات الموثوقة، فإن التقدير الأولي يشوبه حذر شديد من خطوة الحريري، على ما كشف مطلعون على اجواء المشاورات. وتبعاً لذلك، تعرب مصادر سياسية مسؤولة عن مخاوف جدية من ان يفلت لبنان من ايدي اهله قبل الانتخابات، فالانطباع العام هو ان انكفاء الحريري ليس من عنديّاته، بل هو أُكره عليه، ما يعزّز المخاوف من ان يكون خلف الاكمة شيء ما يُخبّاً للبنان، أبعد من محاولة خلط اوراق، بل ربما تحضير المسرح اللبناني لوقائع جديدة.
نواف سلام: من جهة ثانية، هناك من يتحدث، بحسب "نداء الوطن" عن اندفاعة غربية باتجاه ترشيح السفير نواف سلام في بيروت، لا سيما بعد انكفاء تمام سلام، وهو ابن عائلة سياسية عريقة لها تاريخها السياسي، وبالتالي يمكنه أن يقود لائحة العاصمة بدلاً من الرئيس سعد الحريري، لتكوين موجة تأييد سياسي في الشارعين السني والمسيحي، ما يسمح له بتشكيل حالة بديلة قادرة على ملء جزء من الفراغ الذي سببه غياب رئيس «تيار المستقبل».
بالتوازي، يقول متابعون إنّ محطة 14 شباط ستتسم بأهمية استثنائية لكونها ستعطي مؤشراً اضافياً توضيحياً لموقف الحريري بالتنحي، بمعنى أنّ الأسلوب الذي سيعتمده رئيس الحكومة السابق سيساعد على بلورة معالم المرحلة المقبلة، وقد تجيب على بعض التساؤلات: هل انّ تنحي الحريري هو انكفاء شامل أم هو مجرد خطوة إلى الوراء قبل أن يخطو إلى الأمام؟ هل هي المقاطعة الشاملة؟ أم هي ابتعاد نسبي؟ هل سيكون خطيباً من بيروت أم عبر الشاشة؟ وكلها مؤشرات لها دلالاتها بنظر المتابعين.
ويكشف هؤلاء ان الحريري وجّه خلال الساعات الماضية رسائل صوتية لمنسقيات «تيار المستقبل» طالبهم فيها بالابقاء على حالة الفعالية والنشاط، لكي لا يكونوا أسرى الإحباط العام نتيجة ابتعاده. وهذا ما يزيد من غموض قراره وكيفية ترجمته.