#الثائر
الأخبار - ميسم رزق -
لم يرِث سعد الحريري حزباً مؤدلجاً أو تياراً فكرياً. «الحريرية السياسية» التي «فاز» بها، من بين كل إخوته، بعد 5 شباط 2005، لم تكُن سوى مزراب مال لكل متسلّق استفاد من «مشروع رفيق الحريري»، ووجدَ في وريثه مغارةً يغرف منها تحت شعارَي «لبنان أولاً» و«السما الزرقا». ولأن ما بُني على مال لا يستمرّ من دونه، انفضّ كثيرون من هؤلاء من حول الحريري، منذ بدء أزمته المالية وصولاً إلى إفلاسه، فيما تحوّل هو من زعيم طائفة بأكملها ورئيس واحدة من أكبر الكتل النيابية وواحد من الأرقام الصعبة في اللعبة السياسية، إلى رجل أعمال يحمل «صفة سياسية». شيء يشبه نعمة طعمة. «بيزنس مان» له مصالحه في الخليج، غائب عن السمع طوال الوقت، يستيقظ من سُباته لإطلاق «تغريدات» مجاملة للدول الخليجية... ثم يغطّ في النوم مجدداً.
خبر كانسحاب سعد الحريري من الحياة السياسية، أو من المشهد الانتخابي ليس مألوفاً، أو طبيعياً، في بلاد يولد غالبية «زعمائها» في السلطة ويموتون فيها ويورثونها لأولادهم. وهو، من دون أدنى شك، سيُحدِث خضّة ليسَ داخل تيار المستقبل والطائفة السنية فحسب، بل أيضاً لدى مختلف القوى السياسية في غياب «البديل السني».
باستثناء «المؤمنين» به ومن تربطهم به علاقة عاطفية كونه «ابن رفيق الحريري»، وينتظرون معجزة ما، فإن غالبية تيار المستقبل باتت مقتنعة بأن «الشيخ سعد» بات قريباً جداً من إعلان الانسحاب. ما هو غير واضح، حتى الآن، ما إذا كان قرار كهذا يسري عليه وحده. بعض الترجيحات تتحدث عن أنه قد ينتقل الى «شكل جديد» من «الزعامة»، يشبه ما هو عليه وليد جنبلاط أو سمير جعجع مثلاً: زعيم له تيار وكتلة نيابية ومستشارون... لكن بلا صفة رسمية. وقد يساعده في ذلك أن ما من شخصية أو كتلة متراصّة، في الطائفة السنية، يُمكن المراهنة عليها، وأنه، رغم كل شيء، لا يزال يتقدم غيره بفارق كبير يكفي لاستمراره «زعيم السنّة». لكن «الشيخ سعد» ليس «وليد بيك» أو «الدكتور جعجع». فهذان الأخيران حاضران في الحياة السياسية يتابعانها، كما يتابعان حزبيهما و«رعاياهما»، بكل التفاصيل. فيما لا أحد «يضمن» الرجل الذي يقضي معظم أوقاته في الخارج، ولا يزور بيروت إلا في المناسبات، والمتفرّغ اليوم لأعماله، علّه يتمكّن من استعادة بعض ما بدّده في العمل السياسي.
ما من شك في أن قرار الحريري بالانسحاب سيؤدي الى إضعاف الحضور السني ضمن التوازن الوطني، بعد أن تفقد الطائفة المتحدث باسمها والمفاوض عنها و«المقاتل» من أجل حصّتها. وما من شك، أيضاً، في أنه سيؤدي إلى صراع على وراثة الحريرية السياسية التي ستتحول إلى ذكرى، بعد تفتيتها الى «حريريات سياسية» أو مشاريع سياسية متفرعة، وسيكون هذا الانسحاب بمثابة ضربة قاتلة لتيار منهك أساساً.
كان الحريري لا يزال يُراهن على تغيير سعودي إلى أن تيقّن بأن «لا أمل»، وبأنه انضم نهائياً إلى لائحة «ضحايا» محمد بن سلمان. ورغم أنه، حتى الآن، لم يقُل كلمته الأخيرة علناً، إلا أن الفيتو السعودي والتعليمات الإماراتية ترجّح بأن «الحريري (ما) راجع».
الأخبار