مقالات وأراء

عن المفاوضات النووية ومستقبل المنطقة

2021 تشرين الثاني 25
مقالات وأراء

#الثائر

د. سنية الحسيني

النشرة الدولية -

بعد خمسة أشهر من تجميدها، جاء الإعلان عن موعد التئام الجولة السابعة من المفاوضات النووية مع إيران، في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، بعد أن توقفت في حزيران الماضي، خلال فترة الانتخابات الرئاسية الإيرانية وما أعقبها. جاء ذلك الإعلان في ظل تصاعد لمواقف وتصريحات ذات مغزى، سبقت الإعلان عن موعدها أو لحقت به. وجاءت تلك التصريحات، من قبل طرفيها المعلنين الرئيسيين إيران والولايات المتحدة، وإسرائيل، الطرف الثالث عن بعد، والتي تحمل العديد من الاعتبارات الضمنية لتطور واقع الصراع في المنطقة، الأمر الذي يجعل هذه الجولة من المفاوضات تحمل أهمية خاصة، وقد تكون نتائجها مؤشراً لتطورات مهمة قادمة في المنطقة.

لعل أهم تلك المواقف ذات المغزى، تلك المحادثات التي تركزت خلال الأسابيع الأخيرة، بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حول الخطة البديلة للتعامل مع إيران في حال فشل النهج الدبلوماسي التفاوضي، بالتزامن مع تحرك نشط لدوريات عسكرية أميركية في أنحاء مختلفة من المنطقة. تأتي تلك المحادثات والتحركات في ظل فرض مزيد من العقوبات على إيران، تتعلق ببرنامج الطائرات المسيّرة العسكرية التابع للحرس الثوري الإيراني، حيث لم ترفع إدارة الرئيس بايدن من قبل أي عقوبات فرضتها إدارة ترامب السابقة، رغم كل الانتقادات التي وجهتها لها. وفي بيان صدر، يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، وفي أعقاب اجتماع أميركي-خليجي، وجّهت الولايات المتحدة وحلفاؤها الخليجيون تحذيرا مشتركاً إلى إيران، متّهمين إيّاها بـ”التسبّب بأزمة نووية” وبزعزعة استقرار الشرق الأوسط بصواريخها البالستية وطائراتها المسيّرة. واستمراراً لنسق المواقف السابقة، لم تخرج تحذيرات روبرت مالي، المبعوث الأميركي إلى إيران، يوم الجمعة الماضي، من اقتراب طهران لنقطة اللاعودة لإحياء الاتفاق النووي، بعد إعلان إيران عن تعزيز مخزونها من اليورانيوم المخصب. وكانت إيران كشفت، مطلع الشهر الجاري، عبر وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، النقاب عن مضاعفة مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب إلى ذلك المستوى الذي لا تقتنيه إلا الدول التي تمتلك أسلحة نووية.

تأتي الجولة التالية للمفاوضات النووية في ظل عدد من الاعتبارات التي قد تساعد في فهم البيئة السياسية المصاحبة، والتي قد تؤثر على نتائجها. فيما يتعلق بالولايات المتحدة، أكد لويد أوستن وزير الدفاع الأميركي في خطابه في مؤتمر المنامة الأمني، قبل أيام، التزام بلاده بأمن حلفائها في الشرق الأوسط. ويذكر خطاب أوستن بخطاب مشابه لوزير الدفاع الأميركي السابق تشاك هاغل قبل ثماني سنوات، في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، حيث توجه الخطابان لدول الخليج، الحلفاء الأساسيين للولايات المتحدة في المنطقة. كما تشابه توقيت الخطابين، فجاء الخطاب الحالي قبيل استئناف المحادثات مع إيران، بينما كان الثاني بعد إعلان إدارة الرئيس أوباما عن توقيعها الاتفاق النووي مع إيران عام ٢٠١٥. ويحمل الخطابان نفس الهدف الذي جاء في الحالتين لطمأنة الحلفاء، والتأكيد على أن الاتفاق السابق أو اللاحق لن يغير من معادلات القوة والشراكات الأمنية في المنطقة. إلا أن المعطيات المصاحبة لكلا الخطابين على الأرض هو ما اختلف اليوم. فقد جاء خطاب هاغل في عهد أوباما في ظل سيطرة أميركية أمنية وعسكرية وسياسية متحكمة في منطقة الخليج، رغم أنه جاء في إطار الإستراتيجية الأميركية الهادفة للانسحاب من الشرق الأوسط. إلا أن خطاب أوستن يأتي الآن في ظل ظروف مختلفة، بعد أن واصلت المنطقة الانزلاق نحو مزيد من العنف خصوصاً في سورية واليمن وليبيا، وبعد أن باتت توجهات إستراتيجية إدارة أوباما بالانسحاب من المنطقة، هي التوجه السائد والمعتمد، وبعد أن باتت نتائج سياسات الولايات المتحدة بعد ثماني سنوات واضحة للعيان، ولم تعد خاضعة للتنبؤات كالماضي.

فيما يتعلق بإسرائيل، التي لا تخفي موقفها العلني من الاتفاق النووي وموقفها من إيران، رفض مسؤولون رسميون إسرائيليون قبل أيام، في المؤتمر المشترك لصحيفة “هآرتس” وجامعة كاليفورنيا، توصية نظرائهم الأميركيين بالتراجع عن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. واعتبر يوسي كوهين، رئيس جهاز المخابرات السابق، “أن إسرائيل يجب أن تكون قادرة على التعامل بمفردها ضد البرنامج النووي، كما فعلنا في السابق مع البرنامج النووي السوري والعراقي”. في حين دعم بيني غانتس، وزير الحرب الإسرائيلي، اتفاقاً بين الولايات المتحدة وإيران في حالة واحدة يكون فيها ذلك الاتفاق أقوى وأطول وأوسع من ذلك الذي تم التوصل إليه عام ٢٠١٥، بما يضمن عمليات تفكيك لقدرات طهران النووية، وتواصل عمليات تفتيش فعالة على المواقع النووية. ورفضت إسرائيل الطرح الذي قدمه جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي حول فكرة الوصول لاتفاق مؤقت مرحلي مع إيران، لكسب الوقت من خلال المفاوضات، بهدف وقف تقدم إيران السريع في تخصيب اليورانيوم، مقابل حصول إيران على جزء من أموالها المجمدة في الخارج ورفع بعض العقوبات التي تستهدف سلعا إغاثية.

أما فيما يتعلق بإيران، فقد نجحت بكسر الحصار عبر الإستراتيجية التي أطلقت عليها “مقاومة الحصار”، خصوصاً بمساعدة دول عظمى كالصين وروسيا. وحسب تقارير البنك الدولي، فقد خرج الاقتصاد الإيراني في السنة المالية ٢٠٢٠-٢٠٢١ من حالة الركود التي دامت عامين، بعد الانتعاش التدريجي في إنتاج النفط في النصف الثاني من عام ٢٠٢٠. كما أن إيران لم تعد تثق بالولايات المتحدة وشركائها الغربيين ووعودهم بكسر الحصار، وهو ما واجهته بالفعل في أعقاب اتفاقها عام ٢٠١٥، حيث لم تلتزم إدارة أوباما برفع جميع العقوبات التي تم التفاهم حولها في الاتفاق، وأفرجت فقط عن أقل من عشر الأموال التي طالبت إيران بتحريرها، كما أظهرت الولايات المتحدة حزماً مع الدول التي تجاوزت عن العقوبات الأميركية، كما حدث مع كوريا الجنوبية، هذا بالإضافة إلى إخلال الدول الغربية بتنفيذ تعهداتها كاملة في ذات الإطار. وأظهرت إيران خلال العام الحالي تمركزاً وجرأة أكبر في تواجدها العسكري البحري والجوي في محيط الخليج العربي، منطقة النفوذ الأميركي، كشف عنها عدد من الحوادث التي اقتربت فيها زوارقها المسلحة من السفن الحربية الأميركية وحاصرتها، ناهيك عن مهاجمتها لسفن إسرائيلية، هذا بالإضافة إلى حوادث التفجيرات المتكررة الناتجة عن الطائرات المسيّرة عن بعد، والتي تستهدف أهدافاً أميركية وحلفاء للولايات المتحدة في المنطقة. يأتي ذلك على الرغم من التحالفات البحرية الموجودة بقيادة أميركية في المنطقة، الأمر الذي يطرح سؤالاً حول مدى قدرة الولايات المتحدة على ضبط أمن المنطقة، في ظل توجهها المعلن للانسحاب منها.

وتعد مطالب إيران مشروعة تماما، إذ إنها تطالب برفع العقوبات الأميركية والغربية عنها وعن مسؤوليها ومؤسساتها، وإخراجها من العزلة التي فرضت عليها، وهناك صيغة متوازنة ومقبولة من جميع الأطراف المعنية، وصادق عليها مجلس الأمن، تسهل الوصول للاتفاق. كما تطالب إيران بضمانات تضمن عدم تراجع الولايات المتحدة عن تعهداتها معها، عند وصول رئيس جمهوري إلى سدة الحكم. ويقف الجمهوريون اليوم ضد مساعي إدارة بايدن لإحياء المفاوضات النووية مع إيران، وفي محاولة صريحة لإحباطها وأكدوا على نيتهم إعادة فرض العقوبات على إيران عند تمكنهم من القرار. وفي حال الوصول إلى اتفاق، يفترض بالولايات المتحدة إقناع حلفائها على رأسهم إسرائيل، وهي العقبة الحقيقة أمام الوصول لاتفاق، بعدم معارضته والوقوف في وجه تنفيذه، فهل تستطيع الولايات المتحدة أن تحقق ذلك؟

إن إصرار الولايات المتحدة على إخضاع إيران والتعامل معها كطرف مهزوم في الحرب، بمطالبتها بتفكيك سلاحها النووي ونزع سلاحها الباليستي والتراجع عن سياستها الخارجية، مقابل انفتاح اقتصادي، لن يجدي نفعاً، فإيران لن تتخلى عن أمنها في المنطقة مقابل ضمان اقتصادها، لأن الأمن والاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، جامعة الأنداد، عنصران مترابطان، لا ينفصل أحدهما عن الآخر. وترى إيران أن القبول بعدم تطوير الصواريخ البالستية والتخلي عن وكلائها في المنطقة “استسلام”، حسب وصف قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، قبل اغتياله. وقد اعتبر علي خامنئي، المرشد الأعلى في إيران، أن الغرب يشن حرباً واسعة على بلاده، والعقوبات أحد مظاهرها، كما أكد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني أن الحصار والعقوبات الاقتصادية على إيران هي بمثابة حرب تشن ضد بلاده.

أمام دول الخليج خياران، إما دعم الولايات المتحدة بتوقيع اتفاق مع إيران حول ملفها النووي لاحتوائه والمحافظة على سلميّته، حسب الادعاء الإيراني، واستكمال المحادثات الودية بين السعودية وإيران، بوساطة عراقية، لوضع تفاهمات سياسية وأمنية حول مستقبل المنطقة، في اليمن والعراق وسورية ولبنان، والمحافظة على أمن المنطقة عموماً، وإما الاصطفاف إلى جانب إسرائيل، التي تسعى لفتح مواجهة مفتوحة في المنطقة هدفها المعلن إيران وهدفها الضمني إغراق منطقة الخليج العربي بالاضطرابات والفلتان الأمني والعسكري. إن استمرار الصراع المفتوح في المنطقة قد يؤدي لنتيجتين، إما أن تنفذ إسرائيل تهديدها وتشن حرباً على إيران، ستحمل نتائج مدمرة لا تطال فقط إيران وإسرائيل، وإنما ستصل إلى دول الخليج أيضاً، أي ستفتح جبهة قتال مفتوحة، سيكون الجميع خاسراً فيها، وإما الإبقاء على حالة من الصراع دون الوصول إلى حالة الحرب المعلنة، الأمر الذي سيفتح جبهة من التنافس بين دول المنطقة لاقتناء سلاح نووي، في ظل وجود إسرائيل كقوة احتلال نووية مسكوت عنها في المنطقة، واقتراب الإعلان عن إيران كدولة نووية، والتي لن تستطيع إسرائيل تدمير ترسانتها النووية، بعد أن باتت تشكل جزءاً أصيلاً من إستراتيجيتها.

اخترنا لكم
عودةٌ إلى الوراءِ!
المزيد
هل نحن مقبلون على حرب شاملة؟
المزيد
خوفًا من الصراع... شركات طيران تعلّق رحلاتها إلى الشرق الأوسط
المزيد
"شُحنَت في صيف 2022".. شركة "البايجر" وهمية؟
المزيد
اخر الاخبار
"خطواتٌ جديدة" على الحدود!
المزيد
بزشكيان: ندعو إلى وحدة المسلمين لوقف المجازر الإسرائيلية
المزيد
تعليق للشركة اليابانية حول انفجارات أجهزة اللاسلكي
المزيد
الحزب ينعى مؤسّس قوة الرضوان ابراهيم عقيل وهيئة أركانها
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
ضو: لإلغاء جلسة مناقشة الموازنة الإثنين وتحويلها إلى استجواب للحكومة عن سياساتها لوقف قوارب الموت
المزيد
بهاء الحريري: معالجة الفساد في لبنان شرط مسبق لمعالجة الحوكمة والأزمة الاقتصادية
المزيد
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الثلاثاء في 19-05-2020
المزيد
ابي اللمع: توقيف مكرم رباح من دون مذكرة قضائية خرق فاضح للحق الشخصي والانساني
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
اتفاقية تعاون بين جمعيّتي "غدي" و"الملكية الاردنية لحماية الطبيعة" الناصر: حماية الطبيعة لا تعرف حدود، فهي مثل الطائر الذي يطير وينتقل من مكان إلى آخر غانم: نؤمن أن التعاون هو أرقى أشكال التطور
بيان للدفاع المدني بعد الانتهاء من عمليات إطفاء مطمر برج حمود
شكوى بجرائم بيئية ضد الدولة اللبنانية امام مجلس حقوق الانسان الدولي
محمية أرز الشوف في المنتدى الإقليمي للحفاظ على الطبيعة لدول غرب آسيا، هاني: نعمل مع شركائنا لزيادة المناطق المحمية
لجنة البيئة تواكب حريق المكب وتدعو لإقفال المطامر الشبيهة.. وياسين يعتذر
فياض: تنظيف مجاري الأنهر بمزايدات لتفادي الفيضانات وحماية البنى التحتية