#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
كلّ شيء في لبنان عرضة للتبدّل والتغيُّر، إلا ذاك البشرّاني الصلب الذي ثبت 4114 يومًا على قناعاته ليخرج في مثل هذا اليوم في العام 2005 حرًّا كما دخل إلى معتقله السياسي. سمير جعجع إنّه هو، الصلب الذي لا يلين، ولا يهاد،ن ولا يتحوّر كغيره من الذين بدّلوا البندقيّة من كتف إلى كتف ليتعملقوا على كرسي الرئاسة الأولى، وليحصدوا تسوناميّات نيابيّة هشّة سرعان ما زالت بعدما انكشفوا على حقيقتهم الوجوديّة.
سمير جعجع، إنّه هو، الصلب القاسي الذي يردّد أمام مناصريه دائمًا عبارة " يا قليلي الايمان" عندما يتزعزع إيمانهم أمام أيّ استحقاق قد يواجههم. آمن بأنّه حرّ لو اعتقل، حتّى كسّر قضبان سجنه بمقاومة سريّة قادها من المعتقل مع زوجته النائب ستريدا جعجع التي حملت القوّات في قلبها، وقادت هذه المقاومة السريّة من بيت يسوع الملك حتّى خروج الحكيم حرًّا. طوال إحدى عشر سنة تخللتها اغتيالات لكادرات طلابيّة لا يمكن أن ننسى منها الشهداء رمزي عيراني، وطوني ضو، وبيار بولس الذين سقطوا في زمن السلم، لتبقى شعلة المقاومة حيّة. وبقيت وستبقى طالما أنّ القوّاتيّين يسيرون للشهادة قوافل قوافل.
واليوم يقود سمير جعجع حزب القوّات اللبنانيّة مع تكتّل نيابيّ من الأكبر في المجلس النيابي، بعدما حمل مشروعه السياسي الذي نجح بنقل حزبه إليه. فقاده من العسكرة إلى الحياة السياسيّة، بغضّ النّظر عن الصعوبات التي اعترت هذه المرحلة. لكنّه نجح بشهادة الخصوم قبل الحلفاء أنفسهم. ويقود اليوم المقاومة اللبنانيّة المعلنة سياسيًّا لاستعادة السيادة المسلوبة من حزب إيران في لبنان، أي ح ز ب الله، الذي يسيطر على قراري الحرب والسلم، ويرهن لبنان لانتمائه الايديولوجي خارج الحدود اللبنانيّة.
ويستمرّ جعجع بتصلّبه في مواقفه. فهو اليوم رفض المراكز الحكوميّة منذ أعلن في 2 أيلول 2019 موت هذه السلطة والمنظومة من القصر الجمهوري بالذات. ذاك القصر الذي أدخل خصمه التاريخي إليه من بوّابة معراب لينهي عامين نصف من التعطيل السياسي القاتل. واليوم يرفض القوّات اللبنانيّة مع جعجع المشاركة في مسرحيّة التكليف الحكومي تمامًا كما رفض منذ سقوط الغطاء الشعبي لهذه المنظومة في 17 تشرين من العام 2019. فالقوات لن تسمي أيّ شخصيّة للتكيلف الحكومي بغض النّظر عن تأكيد نجاح الرئيس ميقاتي بهذه العمليّة. ميقاتي الذي قاد حكومة 14 آذاريّة في 19 نيسان من العام 2005 وهو الذي نقل السلطة بسلاسة إلى 8 آذار في 13 حزيران من العام 2011 بعد استقالة الحريري بخمسة أشهر تقريبًا. لكنّ الرئيس ميقاتي رفض الانصياع في ذلك الوقت لإرادة الفريق الذي أتى به إلى الحكم فأخرج من حكومته ليتصالح مجدّدًا مع بيئته ليعود ركنًا بارزًا من أركان نادي رؤساء الحكومات.
المنظومة هي هي، لذلك جعجع هو هو، يرفض المشاركة فيها ويدعو دائمًا إلى انتخابات نيابيّة إيمانًا منه بقدرة حزبه وشبابه وشيبه من الرفاق الذين لم يخذلوه يومًا على التغيير. واقتناعًا من هذا الرجل بأنّ المزاج الشعبي للنّاس قد تغيّر، والشعب الثائر لم يعد خاضعًا لجلاديه؛ لذلك هو مقتنع بواقع التغيير. لكنّ المجتمع الدّولي ما زال متريِّثًا بمواكبة جعجع في مطلبه الانتخابي، ويصرّ على تشكيل الحكومة، بدعم من بكركي التي لا ترى أيّ عائق لتشكيل هذه الحكومة.
وتدلّ المؤشّرات كلّها على أنّ التأليف سيكون أسرع من التكليف لأنّ هذه المنظومة باتت ترى ضرورة في وجود حكومة تأخذ الحمل الثقيل عنها لتواجه هي نفسها الشارع الثائر والغاضب الذي لم يقرّر العودة إلى مرحلة 17 تشرين. ولعلّ ما يراه سمير جعجع في أيّ حكومة مع هذه المنظومة هو الذي سيسقطها أبريوريًّا بضربة الشارع القاضية التي ستكرّر سيناريو 17 تشرين. لكن بما أنّ أساس الاشكاليّة التي يراها هذا الرّجل تكمن في استعادة السيادة اللبنانيّة المسلوبة بفعل حزب السلاح، فهذا يشير إلى أنّ صلابته لم تتزعزع، ولم تغرِه المناصب والمراكز التي أغرت خصمه، أيّ التيار الذي كان حرًّا، فبات اليوم شريكًا مضاربًا بفساد هذه المنظومة.
وسط ذلك كلّه، يبقى سمير جعجع الثابت الوحيد فيما غيره هم من المتحوّرين الذين خضعوا لقوّة السلاح، ودخلوا في تسويات مع الشيطان ليحافظوا لهم على مقعد في جهنّم الصفراء. فمن 26 تمّوز 2005 إلى 26 تمّوز 2021 بقي جعجع هو هو، وهذا ما يؤشّر أيضًا إلى أنّه لن يتبدّل في أيّ استحقاق قادم. فمن يؤمن بمشروعه سيصوّت لحزبه، ومَن تعميه الأحقاد والنّرجسيّة والحالات التعميميّة، لو قطعت يده من تحت إبطه، لن يضع ورقة جعجع في صندوقة الاقتراع.
والأيّام الباقية من هذا العهد كفيلة بأن تظهر قدرة ميقاتي على إدارة هذه المرحلة، أو قدرة النّاس على استعادة مومنتم 17 تشرين ما أو 14 آذار ما؛ مع يقيننا بأنّ النّاس لن ينجحوا إلا إذا وحّدوا المومنتومين بحسب ما تحمله القوّات في طروحاتها كلّها. وحتّى هذه اللحظة يتسابق اللبنانيّون مع لحظة ارتطامهم متأمّلين من قشّة حكوميّة أن توصلهم إلى برّ الأمان. فهل ستغيّر ذكرى الرابع من آب هذه المشهديّة بلحظة حريّة مرتقَبَة؟