#الثائر
المؤلف : صموئيل نبيل أديب
الفائز بجائزة فارس الأدب العربي لسنه 2020
دعني أحكي لك قصة عمرها أكثر من ربع قرن..
عندما كان عمري 10 سنوات ذهبت مع عائلتي و خمس عائلات أُخرى في رحلة إلى الأقصر ..
كان من بينهم خال والدي الأستاذ وجيه نسيم و زوجته و أطفاله الأربعة في ذلك الوقت و عائلات أُخرى ..
عندما أتى المساء نصبت كل عائلة خيمة..
.. بعد يومين من تجهيز أشياء الرحلة و تعب السفر.. ابتدأ البعض في الانسحاب إلى خيمته محاولاً النوم .. و أنا العب و أجرى من خيمة لخيمة. . و بالخطأ دخلت خيمة خالي وجيه.. خالي كان نائماً يشخر..
دقيقه عزيزي القارئ.. . لا تترك كلمة "بيشخر" كده عادي .. أريدك أن تتخيل فرملة جرار محمل 100 طن يسير بسرعة 200 كلم/س و فجأة ضغط الفرامل…و استخدم هذ الصوت العالي و شغّله على سمّاعة دي جي أفراح..!!
تماماً … هذا هو أقرب صوت لشخير خالي ..
لدرجة أني تعجبت كيف تستطيع زوجته أن تنام بجواره وسط هذا الصوت .. و لكني تركتهم لكي ألعب مع أولاد خالي..
ربع ساعه ونحن نلعب و نزعق و و أحدهم مشغل التسجيل.. فجاءة الدنيا نزل عليها هدوء غريب..أنظر إلى التسجيل.. شغال.. أنظر إلى الأولاد.. كلنا نلعب و نزعق..
إذاً لماذا هذا الهدوء .. ؟
صوت شخير خالي توقف.. كنت قريباً من خيمته و أرى خالي فيها.. وجدت مراته صحيت مفزوعة من النوم و بصت عليه.. خالي رقبته " نزلت عن المخدة و نَفَسُه اتكتم" لأنه كان عنده "لحمية" شديدة وضيق في الحنجرة مع وزنه الزيادة حبتين تلاته..
مراته التي بقالها يومين سهرانه توضب الشقه.. توضب أكل الرحلة.. مسؤولة عن أربعة أولاد..و بعد خمس ساعات سفر بالعربية و بعدها توضيب الخيمة.. نامت، حرفيا مثل القتيل ، و هي تسمع كل الدوشه و أصوات التسجيل و صراخ 12 طفل.. و لكنها استقيظت عندما شعر قلبها أن زوجها قد توقف شخيره، و لابد أن يعدّل رأسه وإلّا ممكن نفسه يتكتم..
هي استيقظت من النوم.. عدلت المخده تحت رأسه.. و انتظرت حتى ابتدأ "خالي "سمفونية بتهوفن و بعدها نامت... نامت حرفيا مثل القتيل لتاني يوم الصبح..
وقتها قررت أن اتزوج واحدة تحبني بالشكل ده.. واحدة تحب كل حاجه فيا حتى عيوبي و ضعفاتي .. تحبني لدرجة أنها تحس بيا حتى لو تغير جزء بسيط بداخلي ..
و لكن بعدها ب 12 سنه عندما كبرت قليلاً .. توفي خالي.. فجأة.. بدون مقدمات.. رحل و هو تحت ال 60 سنة..
في الجنازة.. كان الكل حرفياً مصدوم..جنازة كبيرة كعادة الصعيد و الصعايدة.. التي تجتمع فيها كل العائلة حتى المهاجرين خارج مصر و من الإسكندرية إلى أسوان ..
و لكن الكل كان بيقول كلمة واحدة.." كان راجل.. كان حنين.. كان محترم. "
عندها اكتشفت أنني كنت أبحث بالغلط.. أبحث عن شخص يحبني دون أن أسأل نفسي هل أنا استحق هذا الحب..
اكتشفت أنه لكي أجد هذا الحب.. يجب أن أكون أنا. "رجلاً.. حنوناً ومحترماً..
ثلاث كلمات لا غير قيلت عن خال والدي.. كانوا أصعب مستوى ممكن أن يصل إليهم إنسان .
أن يكون رجلاً في كلمته و تصرفاته
أن يكون حنوناً في شدته وشديداً في محبته
أن يكون محترماً في حياته
الآن.. بعد ٢٥ سنة..والعديد من الشهادات الجامعية و مئات الكتب المقروءة .. و خبرات حياتية متنوعة و سفر من إسكندرية إلى أسوان.…أعترف أني أجد صعوبة في أن أكون كما كان خال والدي..
و أني لازلت أحاول أن اتعلم كيف أكون رجلاً..
لذلك هو استحق الحب الكبير الذي لا يتكرر
حباً احلم به أنا .