#الثائر
في مثل هذا اليوم قبل 73 سنة وقعت النكبة الكبرى... نكبة فلسطين، وربّما كان لكم الفرصة بأن استعرضتم في هذا الديوان بعض الصور المأخوذة من فلسطين خلال الحرب حيث كان للأمير مجيد شرف المشاركة في معركة الدفاع عن فلسطين الغالية وكان يومَها وزيراً للدفاع اللبناني.. لكنه لم يتردّد في ترك مكتبه والحضور إلى الجبهة مع جنود جيشنا البواسل، فاستقرّ في الجبهة طيلة أيام الحرب ليلاً نهاراً وشارك كما هو معروف شخصياً بالقتال في الخنادق.. وكان أوّل وزير للدفاع يخوض الحرب من جبهة القتال بعد القائد السوري الكبير يوسف العظمه، شهيد ميسلون.
وبعد 73 سنة من المرارة في هذه الذكرى الأليمة ها إننا نشعر اليوم بأنّ الزمن بدأ يتغيّر، وبأنّ مسيرة الحياة عادت إلى خطّها القويم، وأن الكيان الغاصب.. ليس أزلياً على الإطلاق، ولا هو سرمدي، ولا هو من النوع الذي لا يُقهَر.
إنّ هبّةَ أهل فلسطين الأبطال أطفالاً ونساءً ورجالاً وشيوخاً، تعلنُ قيامَ الحدّ الفاصل والحاسم بأنّ هذه الأرض المباركة سوف تعودُ لأهلها على الرغمِ من حجم المؤامرات والتحالفات المكوَّنة كلها من أجل نصرة المشروع الصهيوني.
اليوم نشعرُ بأنّ الزمن بدأ يتغيّر وبأنّ رجالَ هذا الزمن الجديد هم الذين عُرفوا بالأمس القريب، بأطفال الحِجارة... هم الذين امتهنوا الهجوم على آليات الجيش الصهيوني الضخمة، وتسلّقها ورشقِها بالحجارة.
إنّهم الإنسان الجديد... الذي وُلدَ من رحم الظلم والقَهر وما من قوّة في العالم يمكن أن تَقهَرَ هذا الإنسانُ الجديد.
لذا أقول أنّنا هذه المرّة نحيي ذكرى النكبة ونحن متفائلون... نحييها على إيقاع المعارك التي تؤكّد بأنّ شعب فلسطين لم يتخلَّ ولن يتخلَّ عن أرضه من النهرِ إلى البحرِ.
ويبدو جليّاً أمام الجميع أن هذا ليس مجرّدَ شعارٍ يُرفَع.. وإنما هو حقيقة قائمة على أرض الواقع، بدليل أنّ الهبّة الفلسطينية العارمة، يشاركُ فيها أبناءَ الأرض المحتلّة عام 1948.
وهذا أكثر ما يُخيف دوائر الإستعمار، إذ ثمّةَ كتابةٌ جديدة لتاريخ العالم العربي ككل، بدءاً من فلسطين التي يتمسّك بها شَعبُها... بقوّةٍ تتزايدُ مع الأيّام، ولا تتراجع، ولا تضعف.
إنّنا وإذ نحيّي أهلَنا الفلسطينيين، ونجدّد عهدَ اعتناقِ القضيّة القوميّة.. ندعو الحكومات العربية كافة، وكذلك القوى السياسية العربية إلى التنبّه جيّداً لهذه التحولات الكبرى، والإسراع إلى الموقف الذي يُفترض بها أن تتّخِذَهُ، لأنّ هبّة شعب فلسطين تُعلنُ للملأ بأن لا مكان تحت الشّمس لمن يعادي شعبَ فلسطين، في الوقت الذي يخوض حربَ تحرّرٍ وطني بكل ما للكلمة من معنى.
إنّ كل السياسات المعتمدة يجب أن تأخُذ بالحسبان هذه المتغيّرات لأنّ التاريخ فعلاّ لا يرحَم، خصوصاً حين يصنعُهُ أهلُ البلاد وليسَ الأجانِب.
إنّ القدس الشريف.. المدينة المقدّسة التي تختزِنُ مرتكزات مسيحيتنا وإسلامنا، ما يجعلُها فريدةً من نوعها في العالم، مصمّمةٌ على التحرّر من نِير الإستبداد والإحتلال، شأنُها في ذلك شأنَ كلّ مدينةٍ أو قريةٍ أو ناحيةٍ في فلسطين الجغرافية - التاريخية، غير القابلة للتقسيم، بقدسها وغزّة والناصرة والخليل ورامالله وعكّا وحيفا ويافا والجليل والنقَب واللّد وكل فلسطين.
إذ تبيّنَ حتى اليوم أنّ العدو الإسرائيلي مصمّمٌ على عدم القبول حتى بوجود أقلّيةٍ عربية في أراضي 1948، والمؤشّرات التي بانَت في الأيّام الأخيرة.. تُظهر أنّ العدو كان في صددِ فتحِ معركة التطهير العُرقي الكبرى في أراضي الـ 48.
إذ أنّ السّكان اليهود في هذه الأراضي يتصرّفون مع الفلسطينيين كما يتصرّف المستوطنون مع فلسطينيي الضفّة الغربية، من ناحية الإعتداءات المستمرة عليهم والعدوانية العنصرية، وهذا في حدّ ذاته يشكل "جرعةً إضافية" أي Overdose ودائماً ينقلب مفعول الـ Overdose على أصحابه، وهنا يرتكبُ العدو فعلَ الإنتحار، فيبدأ بالقضاء على نفسه.
إبتداءً من اليوم لم يعُد من الممكن التمييز ما بين الأراضي المحتلّة عام 1967 والأراضي المحتلة عام 1948.
وهنا مكمن الأخطار الكبرى التي تهدّد الكيان الإسرائيلي، وهذا ما تؤكّدهُ كتابات بعض أصحاب العقول الهادئة في الصحافة الإسرائيلية.
والأمر الآخر الذي يتأكّد من خلال المواجهة هو أنّ جرّافة الصمود جرفَت في طريقهِا كل مشاريع توطين الفلسطينيين في الشّتات.
هذا يعني بأن علينا كعرب أن نُجري إعادة تقويم شاملة للوضع في ضوء الحقائق والمستجدات الميدانية، حيثُ للإنسان الجديد، إنسان فلسطين، الكلمة الفصل في تقرير مصيره، هو الذي بات يشكّل حلقة مفصلية وازنة في محور الصمود والممانعة.
وبالمناسبة، أوجّه تحيّة إلى أرواح شهداء فلسطين الأبرار الأطهار وإلى الجرحى وإلى كل أهل فلسطين من غزّة القلعة الجبّارة إلى القدس الشريف...والتحية إلى مشايخنا وأهلنا الموحدين الدروز في الجليل وفي الجَولان العربي السوري المحتل، الذين هبّوا لنصرة الأقصى المبارك، وتوجّهوا إلى القُدس الشريف واشتبكوا مع قوات الإحتلال أسوةً بإخوتهم في المواطنية، ليؤكدوا على وحدة الدم الفلسطيني - السوري، وأنّ كلّ ذرّة ترابٍ من فلسطين ومن الجولان العربي السوري المحتل غالية على قلوبهم وهم بها ملتزمون.
إنّ أجمل معايدة بمناسبة عيد الفطر المبارك هي المعايدة التي تتجسّد بملحمة الصمود العظيمة على أرض فلسطين العربية، مهدَ المسيحِ ومَسْرَى الرسول، عليهِما السلام.
ونتقدم من اللبنانيين عموماً ومن أهل الشهيد البطل محمد طحان بأحرّ التعازي
وإنّ النصرَ بجهود الأبطال الصامدين آتٍ... آتٍ... آتْ.