#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
لم يعد خافيًا على أحد أنّ حزب الله هو الحاكم اليوم في لبنان. وهذا ما أعلنه نائبه نواف الموسوي في 18/6/2005 بعد الانسحابب السوري في مثل هذا اليوم أي 26 نيسان، حيث قرر السوريّون تفويض حليفهم، أي حزب الله، الذي عملوا طوال عقودهم الثلاثة على بنائه بتعامل الرؤساء اللبنانيين معهم، لمتابعة مسيرة حكمهم في الدولة اللبنانية من خلال تأمين المصالح المشتركة لطرفي الحلف.
ومن دروس التاريخ، لا سيّما دروس هتلر الذي سيطر على السلطة في ألمانيا بوساطة الديمقراطيّة، قرّر الحزب، مع كوكبة من الذين تكتّلوا معه لتنفيذ أجندته، السيطرة على الحكم بوساطة الديمقراطيّة. فجسّد ذلك باتّفاق الدّوحة في العام 2008، الاتّفاق الذي فرضه بقوّة سلاحه، ونجح بإيصال الرئيس الحالي إلى سدّة الرئاسة ليحكم قبضته بشكل نهائي على مفاصل الدّولة الدّستوريّة. وبقيت السلطة القضائيّة الاستثناء الذي عمل على تعطيله وصولا حتّى تقويضه في هذا العهد.
وممّا لا شكّ فيه أنّ مصادر تمويل الحزب التي باعترافه أنّها من خارج الدّولة، اعتمد فيها على التهريب الحدودي، كما قال أحد المشايخ المقرّبين منه، فهذه من صلب السياسات التمويليّة للحزب. كذلك هو يؤدّي فرية لوليّه الفقيه ولحليفه السوري، حيث نجح الحزب بتحرير الاقتصاد السوري، ولو جزئيًّا، من عقوبات قانون قيصر. والمؤكّد أنّ ذلك حصل من جيوب اللبنانيّين ومن دولاراتهم الخاصّة، ما أدّى إلى تفاقم الأزمة الاقتصاديّة في لبنان وانحدار الحالة الاقتصاديّة إلى هذا الدّرك الذي لم يشهد له لبنان مثيلا منذ تأسيسه.
وبحسب ما أورد موقع سكاي نيوز- عربيّىة- "كانت بداية إدخال معامل الكبتاغون إلى شمال شرق لبنان في عام 2011 وهو عام اندلاع الثورة السورية والانفلات الأمني التي شهدته الحدود اللبنانية السورية، حيث نشطت عمليات تصنيع حبوب الكبتاغون في أماكن خارجة عن سيطرة الدولة داخل الأراضي المحاذية للحدود اللبنانية السورية. وهذه المناطق هي القصير وريف دمشق، حيث أحكمت السيطرة عليها مجموعات تابعة للنظام السوري وحزب الله اللبناني. "
وتابع التقرير في الموقع المذكور بأنّه " حتى عام 2017 تم إحصاء أكثر من 60 مصنعاً بين كبير وصغير لإنتاج حبوب الكبتاغون المنشطة معظمها في محافظة البقاع اللبناني الشمالي وعلى الحدود المتاخمة لسوريا، حيث كانت هذه الأراضي خاضعة لسيطرة من قوى أمنية معروفة ومحسوبة على سوريا." أما أكبر مصانع الكبتاغون في لبنان فقد اكتشف في عام 2014 تحت حسينية الزهراء في مدينة بعلبك شمالي البقاع اللبناني، والسوق المستهدف دائما لتسويق "إنتاجه" هو سوق المملكة العربية السعودية.
والمفارقة في ذلك كلّه، أنّ أغلب عمليّات التصدير تتمّ بحرًا عبر مرفأ بيروت إلى الأسواق المستهدفة المذكورة، أي المملكة العربيّة السعوديّة، إضافة إلى الأسواق الأوروبيّة. وفي هذه المسألة يطبّق الحزب قناعات له تمّ إصدار فتاوى بها، حيث يعتبر إغراق الشباب بآفة المخدرات من المجتمعات التي يحاربها هي فريضة شرعيّة عليه تطبيقها تمامًا كأيّ فريضة دينيّة. من هنا وقع الاختيار على أسواق الخليج وأوروبا.
وهذا ما أدّى إلى تحوّل لبنان ومرفأ بيروت إلى Buffer Zoneمنزوعة من وجود سلطة الدولة القانونيّة اللبنانيّة، استخدمها الحزب لأعماله كافّة. ويكفي في هذا السياق احتساب كميّات نيترات الأمونيوم التي وصلت إلى لبنان وما انفجر منها. فذلك يشير إلى أنّه نقلها إلى سوريا بحسب ما صدر عن بعض التقارير العلميّة لبعض الباحثين بعد انفجار الرابع من آب. أمّا منع التوقّلإ عن استيراد الخضار والفاكهة اللبنانيّة من قبل بعض دول الخليج فهو بداية لما نحن قادمون عليه.
إضافة إلى هذه العزلة التي حصدها العهد بتموضوعاته الاقليميّة، سيشهد لبنان عزلة إقتصاديّة جديدة نتيجة لما تمّ اكتشافه على خطّ اليونان والخليج. وذلك سيستتبع بعزلة نقديّة كانت قد بدأت بشائرها منذ أسبوعين تقريبًا عندما قالت مصادر مطلعة لوكالة "رويترز" إن بنوكا أجنبية من بينها "إتش.إس.بي.سي" و"ولز فارغو"، بدأت في قطع العلاقات مع مصرف لبنان المركزي، ما يشكل معضلة للبنان إذا بدأت صلاته بالنظام المالي العالمي تتقطع. وهذا ما سيجعل من الصعب على لبنان تحويل المدفوعات الأجنبية واستيراد السلع الأساسية. كما أفادت مصادر مصرفية أيضاً بأن البنكين، إلى جانب "بنك أوف أميركا" و"دويتشه بنك"، كانا من البنوك التي قلّصت أيضا أنشطتها مع البنوك اللبنانية في مجالات مثل المدفوعات العابرة للحدود وخطابات الاعتماد.
لبنان اليوم صار رسميًّا معزولا سياسيًّا، ونقديًّا، واقتصاديًّا. لا تصدير، ولا استيراد بعد اليوم إلا وفق شروط قاسية جدًّا. وهذا ما سينعكس سلبًا على الحالة الاجتماعيّة في لبنان؛ ما قد يؤدّي إلى تسريع وتيرة الفوضى الأمنيّة التي ستتنقّل في المناطق اللبنانيّة كافّة؛ وقد بدأنا نشهد ذلك من خلال عمليّات سرقة طالت معظم المناطق اللبنانيّة. الحلّ لذلك كلّه لا يكون بالتّ‘امل مع هذه المنظومة على قواعد تسوويّة سبق وأن تمّ تجربتها. بل الحلّ يكون بتغيير هذه المنظومة من خلال انتخابات نيابيّة ديمقراطيّة، وبإشراف أممي، للسماح للبنانيّين مجتمعين بالاختيار الحرّ لمَن يريدون أن يمثّلوهم. أمّا وإن أعيد انتخاب هذه المنظومة نفسها، فنفحات العطر العذب عن روح لبناننا الذي عرفناه.