#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
لا يختلف اثنان حول تردّي الأوضاع الاقتصاديّة في الآونة الأخيرة. كذلك لا خلاف حول القناعة التامّة بأنّ آفاق التغيير مقفلة، وما من بصيص أمل يلوح في الأفق. فيما لا زال بعضهم يصوّر بأنّ بوّابة الحلّ قد تكون بتشكيل حكومة لاسترجاع ثقة المجتمعين العربي والدّولي، ما يعني ذلك عودة، ولو تدريجيّة، للرساميل والمساعدات. بمعنى آخر، عمليّة ضخّ للسيولة بعد عمليّة ضخّ الثقة.
من البديهي اليوم لأيّ قارئ بأنّ الحكومة التي يحاولون الايحاء بتشكيلها لن تكون هي الحلّ المرتقب. فبأقلّ تعديل نحن بحاجة إلى حكومة طوارئ، لا حكومة مهمّة ولا حكومة إنقاذ. هذه الحكومة تشكَّل على قاعدة واحدة وهي: معالجة الأزمة الاقتصاديّة بدءًا باستعادة الثقة من البوابتين العربيّة والدّوليّة لينطلق بعدها التفاوض مع صندوق النقد، بعيدًا من السياسة ومماحكاتها. والهدف الآخر من هكذا حكومة يكون إجراء انتخابات نيابيّة لإعادة تكوين السلطة بالكامل.
أمّا بعد ذلك، فيجب أن تبدأ المحاسبة انطلاقًا من التدقيق الجنائي الشامل. ونؤكّد على كلمة الشامل إذ يجب ألا يستثني هذا التدقيق أيّ مؤسسة عامّة، أو هيئة، أو مجلس، أو وزارة، إضافة إلى المصرف المركزي. ولن تكتمل آليّة المحاسبة قبل تحرير ملفّ التشكيلات القضائيّة، وإقرار قانون استقلاليّة القضاء؛ وذلك ليتحرّر من السياسة فيستطيع عندها أن يطهّر نفسه من الفاسدين، إن وجدوا. وعندها تبدأ المحاسبة الشفافة، ولا نكن أمام أكباش تقدّم للمحارق السياسيّة ممّن هم من غير المحظيّين لدى هذه الجهات.
وما يجب ملاحظته في هذا السياق أنّ أيّ تأخير إضافي بعد، ستكون الحلول عندها أصعب وأصعب بكثير، ولن يتمكّن بعدها لبنان من اجتراح الحلول مع هذه الطبقة التي ثبُتَ فشلها بالتجربة. لذلك، لا يبدو بأنّ الموضوع الحكومي سيكون المدخل للحلّ المرتقب. والعكس تمامًا، فالأمور لا تشي بأنّ ولادة الحكومة مرتقبة، لا بل الأكثر من ذلك، كلّما تقدّم الوقت أكثر كلّما ابتعدت هذه القاعدة للحلّ السياسي والتي من المفترض أن تشكّل قاعدة طبيعيّة للحلول السياسية؛ هذا بالطبع إذا كان الوضع السياسي في أيّ بلد بخير. وهذا ما يبدو أنّه ما زال متعذّرًا في لبنان.
من هذا المنطلق، يجب البحث عن حلول أخرى تكون أفعل من الطرح الحكومي الذي من المفترض أن تكون قاعدته الصلبة هي الإصلاحات التي أشرنا إليها بالقضاء أوّلا. فباستقامة القضاء تتحقّق المحاسبة، وفور الشروع بالمحاسبة تستوي سائر الأمور. لذلك كلّه، ما زالت الأكثريّة الحاكمة تأسر التشكيلات القضائيّة في درجها، وتكتفي حتّى اللحظة بعراضات شعبويّة ليس أكثر، من دون أيّ ترجمة عمليّة على أرض الواقع. حتّى إنّ هذه العراضات إن ارتقت أحيانًا، تكون على قاعدة الكيديّات السياسيّة، حتّى بين أطراف الفريق الواحد الذي بات واضحًا بحثه عن كبش الفداء الذي سيعلن بفدائه بدء معركته الاصلاحيّة؛ هذا إن نجح، ونستبعد ذلك.
من المستبعد أن يكون المحاسِب هو نفسه المحاسَب. فهذه السلطة لن تحاسِب نفسها بنفسها، وسنكون أمام المزيد من البدع للهروب أكثر إلى الأمام. نأمل ألا تكون بدعًا أمنيّة، إذ يكفي النّاس همّها في رغيف الخبز. لكن بما أنّ هذه السلطة تبدو عاجزة عن المنطق للحلّ المقترَح بحكومة طوارئ لتليها انتخابات نيابيّة، تمّ تقديم الطرح الثاني على الأوّل؛ ولكنّ هذه السلطة نفسها لن تقدِم على خطوة الانتخابات لأنّها مدركة بأّن ثقة النّاس تزعزعت بهم، ولأنّ النّاس لم تعد تملك أيّ شيء لخسارته. فبالتّالي، لم تعد خائفة من التهديد بالسلاح غير الشرعي، ولم تعد ورقة المئة الخضراء ترغّبها بأيّ إسم يُفرض عليها بالقوّة. لذلك، النّاس ستقول كلمتها بالانتخابات، ولن تكون لصالح هذه الأكثريّة. وهذا ما يشير إلى أنّ هذه الأكثريّة ستقدِم على المستحيل لتبعد عن نفسها تجرّع سمّ كأس الانتخابات أيضًا.
بناء عليه، لا حلول محليّة في الأفق. والحلّ الوحيد يجب أن يُفرَضَ فرضًا لأن لا قناعة لأهل الحكم بأيّ حلّ طالما أنّ عجلة المفاوضات الإقليميّة مع الراعي الإقليمي لهذه الأكثريّة، أي إيران، لا زالت في بداياتها، وعلى ما يبدو أن لا استعجال لإنهائها. لذلك الأزمة ستطول، وفي الأثناء النّاس باتت تفقد قليلا قليلا من كلّ شيء من رغيف الخبز، حتّى حبّة الدّواء، وليس انتهاء بتنكة المازوت للكهرباء، أو البنزين للتنقّل. فهل نتلو الصلاة الأخيرة: اللّهم نستودعَكَ روح الوطن؟