#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
تعدّدت الأسباب والأزمة واحدة. لكن الاختلاف في مقاربتها يمدّد عمر هذه الأكثريّة الخاطِفَة أكثر. من هنا، لن يستطيع أحد أن يفتح كوّة في جدار هذه الأزمة إلا بتوحيد الرّؤية. ولقد بات من الواضح انقسام الشارع اللبناني إلى أربعة أقسام:
1- الأكثريّة الخاطِفَة.
2- المعارضة السياسيّة المؤسساتيّة.
3- الشارع الثائر.
4- البطريركيّة المارونيّة.
وطالما بقيت هذه الأقسام متفرّقة لا تغيير يرتَجى. ولن يستطيع أيّ فريق أن يخرق منفردًا؛ حيث يبقى فريق الأكثريّة هو الأصلب لأنّه يمسك بزمام الأمور، وعلى ما يبدو أنّه ليس مستعدًّا للمشاركة تحت أيّ ضغط، ومن أنّى أتى.
- أوّلا: أجندة الأكثريّة واضحة ومن دون أيّ مواربة، هي تسعى للإطباق على الحكم اليوم لتؤمّن استمراريّة لنهجها بعد انتهاء ولاية هذا المجلس وولاية الرئيس عون. وفي هذا السياق لا بدّ من التوقّف أمام حالتين:
• في موضوع الانتخابات النيابيّة: ليست مستعدّة هذه الأكثريّة لأن تخوض أيّ انتخابات قد تفقدَها ما أعطتها إيّاه التحالفات الانتخابيّة السابقة، حتّى لو اضطرّها ذلك إلى اجتراح عمليّة تمديديّة تحت ضغط أيّ خطر قديطال الوجود.
• في موضوع رئاسة الجمهوريّة، يبدو أنّ هنالك استحالة في تمديد ولاية الرئيس عون أو التعطيل بعد انتهائها، وهنا يرجّح أنّ الأكثريّة ليست بوارد المجازفة بهذه الحالة. ويبدو أنّ الوزير باسيل يخسر كلّما تكلّم من رصيده، تمامًا كبطاقات الهواتف الخلويّة المدفوعة سلفًا. يبقى أنّ الوزير فرنجيّة يظهر بموضع المرشّح الصامت الذي يترقّب التحرّكات الاقليميّة والدوليّة ليقطف فرصته.
- ثانيًا: المعارضة السياسيّة المؤسساتيّة تطرح مشروع الانتخابات النيابيّة المبكرة، وتتمسّك بطرحها هذا الذي تمثّله القوّات اللبنانيّة. وعلى ما يبدو أنّ هذا الطرح قد وضع القوّات في موقع الفعل وأراحها من ردّات الفعل التي كانت تفرضها عليها الأكثريّة. لكن على ما يبدو إلى حينه أنّ هذا الطرح لن يتحقّق إلا تحت ضغوط قاسية، إن في الشارع اللبناني وإن من الديبلوماسيّتين العربيّة والدّوليّة.
- ثالثًا: الشارع الثائر يبدو ضعيفًا اليوم لأنّه وبرغم الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدّولار لم يستطع أن يحشد لأيّ تحرّك على غرار ما حدث في 17 تشرين 2019 على أثر ضريبة الستّة دولارات على تطبيق واتساب.
- رابعًا: بكركي والمؤتمر الدّولي والحياد باب الخلاص الذي تسعى إليه البطريركيّة المارونيّة ومعها قسم كبير من اللبنانيين الذين جاهروا بموقفهم الدّاعم لها، في حين أنّ كثرًا يطمحون إلى ما نادت به بكركي لكنّهم لا يجرؤون على المجاهرة بذلك.
- رابعًا: كلّما تعمّقت الأزمة أكثر كلّما سيحصد مشروع بكركي أصواتًا داخليّة تؤيّده أكثر. لكن من المهمّ الادراك بأن المجتمع الدّولي ليس مستعدًّا لأن يدفع أي ثمن عن اللبنانيين. لذلك، يجب أن ينطلق الحياد من لبنان وإلا لن يجد صداه دوليًّا ولا حتّى إقليميًّا؛ وهذا ما سيبقى متعذّرًا في ظلّ الترهيب بقوّة السلاح غير الشرعي، وغياب أيّ استراتيجيّة دفاعيّة.
من هذا المنطلق، لن يستطيع أيّ فريق كسر هذه الأكثريّة منفردًا. لذلك المطلوب من الذين يثورون في الشارع أن يوحّدوا أجنداتهم السياسيّة المطلبية ويسيروا في خارطة طريق سياسيّة واضحة، لأنّنا في نظام مدني ولا نطمح لأيّ حكم عسكري. ونظامنا طوائفي وليس طائفي، لذلك الإفراط في العلمانيّة قد يبدو في غير مكانه. على ألا يكون ذلك كلّه بعيدًا من المطالب التي حملتها بكركي في الحياد وليس التّحييد، عبر مؤتمر دوليّ يؤمّن للبنان النّهضة الاقتصاديّة ليستطيع أن ينهض غجتماعيًّا وسياسيًّا.
عدا ذلك، لن يستطيع أيّ فريق الخرق منفردًا. ورفض التعاون بين الأفرقاء الثلاثة التي أشرنا إليها آنفًا لحسابات شخصانيّة سيغرق البلد أكثر والانفجار الاجتماعي سيتمّ اجتثاثه بحكومة استعراضيّة لن تؤمّن، سوى استمرارا للنهج الحاكم بأشكاله كلّها.