#الثائر
- " الهام سعيد فريحة "
بوضوحٍ وبشكلٍ مباشرٍ وروحٍ إيجابيةٍ قالَ غبطةُ البطريرك مار بشارة بطرس الراعي كلمتهُ و"بَقّ البحصةَ":
لبنانُ لا يعيشُ إلا حرّاً، ودولتُهُ لا تقومُ إذا بقيت دويلاتٌ، ولا حمايةٌ للوطنِ والدولةِ إلا بجيشٍ واحدٍ، وبالعيشِ المشتركِ واحقاقِ الحقوقِ لجميعِ اللبنانيين مسيحيين ومسلمين بالثفافةِ والرقِيِّ والحبِ والتسامحِ .
رمى غبطةُ البطريرك مار بشارة بطرس الراعي حجراً في المياهِ الراكدةِ، بل صخرةً كسرتْ الصمتَ، فأنطلقت التردّداتُ هنا وهناك، والبقيةُ ستأتي لأن غبطتهُ شعارهُ للناس:
لا تسكتوا ، أي اكملوا مسيرةَ الحقِ.
فهل يكونُ "سبتُ بكركي" محطة انطلاقٍ لقطارِ الحلِ، أم هناكَ من سيعطّلُ الاندفاعةَ ويضيِّعُ الفرصةَ؟
ردودُ الفعلِ على الكلامِ بدأت بهجومٍ سياسيٍّ وإعلاميٍّ قاسٍ، وجرى ليلاً قطعُ طرقِ وإحراقُ دواليبَ بين "الرينغ" والخندق الغميق ومار مخايل في الشياح تحت عناوينَ مختلفةٍ.
ويُقالُ حسب مصادرَ مطلعةٍ أن النائب جبران باسيل كان في صدَّدِ مؤتمرٍ صحافيٍّ الساعة 7 مساءً، لكنه عدلَ عن الفكرةِ.
فعسى ألا تُحرِقَ الدواليبُ جسورُ الحوارِ الباقيةِ، لأنَ المرحلةَ خطرةٌ وحافلةٌ بالمتغيّراتِ في لبنانَ وبعملياتِ "البيعِ والشراءِ" بين القوى الإقليميةِ والدوليةِ.
***
تحاورنا مع دبلوماسيٍّ خليجيٍّ مخضرمٍ، وله باعٌ طويلٌ ومُلِمٌّ في الشأنِ اللبنانيِّ، يُفرِجُ عن قليلٍ من الكلامِ حول طرحِ غبطةِ البطريرك الراعي عن التدويلِ والحيادِ لحلِ ازمةِ لبنانَ ، ويفضِّلُ إبقاءَ الكثيرِ طيَّ الحقيبةِ الديبوماسيةِ.
يقولُ:
تذكّروا، حتى الأمسِ، كان البطريرك الراعي يكتفي بتوجيهِ الرسائلِ الناعمةِ، ولا يتجاوزُ سقفَ التحذيرِ من الجوعِ والفقرِ والفسادِ. لكنهُ اليومَ رفَعَ السقفَ أعلى بكثيرٍ وذهب إلى تسميةِ الأشياءِ بأسمائها.
لقد اكتشفَ صاحبُ الغبطةِ أن من العبثِ أن يتجاهلَ اللبنانيون أسبابَ الأزمةِ، وهي سياسيةٌ بامتيازٍ، وأن يغرقوا في التفاصيلِ وردودِ الفعلِ.
فالجوعُ والفقرُ والفسادُ كلها نتيجةٌ لأزمةٍ واحدةٍ، وهي السيطرةُ على القرارِ السياسيِّ. وما دامتْ هذه السيطرةُ قائمةً، فلبنانُ سينزلقُ أكثرَ في مسارِ الانهيارِ،
وسيبقى وحيداً ولا يلقى صديقاً أو شقيقاً يساعدهُ، فيما أبناؤهُ يتشرّدونَ في أصقاعِ الأرضِ.
***
يُسألُ الديبلوماسيُّ الخليجيُّ:
في تقديركم، هل الفرصةُ سانحةً للاستجابةِ دولياً إلى طرح البطريرك الراعي حول التدويلِ والحيادِ لحلِّ الازمةِ اللبنانيةِ وإنقاذِ لبنان؟
يُجيبُ:
المشكلةُ أن هناكَ مشروعينِ يتصارعانِ بعنفٍ في لبنان.
مشروعُ الدولةِ والمشروعُ الآخرُ الذي هو الأقوى حالياً.
ولذلك، يفرضُ نفسهُ ولا يقبلُ بالحوارِ وتقديمِ أيِّ تنازلٍ.
وإذا لم تتبدّل معادلاتُ القوةِ داخلياً وخارجياً، فسيكونُ الواقعُ صعباً للغايةِ.
واليومَ، ربما تكونُ المنطقةُ كلها مقبلةً على تَحوُّلاتٍ ومعادلاتٍ جديدةٍ. ومعها، يبدو لبنانُ في مرحلةٍ مفصليةٍ، وستظهرُ فيها الاتجاهاتُ نحو الحلِ رحمةً بالاحياءِ من الشعبِ الحضاريِّ الذي انهارت كل مقوِّماتِ عيشهِ الكريمِ.
ولكن، على الأرجحِ، سيكونُ لطرحِ البطريرك الراعي تردُّداتٌ وتداعياتٌ قصيرةُ الأمدِ وطويلةُ الأمدِ، وربما يقودُ إلى تسويةٍ وطنيةٍ جديدةٍ هي الرابعةُ بعد صيغةِ 1943 ثم الطائف في 1989 فالدوحة في 2008.
اللافتُ للنظرِ ان المتواجدينَ في باحةِ الصرحِ البطريركيِّ في بكركي وحسبَ خطبةِ الاحد لسيِّد بكركي كانوا في حدودِ الــ 15 الف شخصٍ،
كثيرون لم يُلبُّوا، إما خوفاً من الكورونا، او لأن ليس لديهم ثمنُ اجرةٍ ليصلوا الى الصرحِ، او هم من الاكثريةِ الصامتةِ، والباقي من جبهةِ الممانعةِ ضدُ التدويلِ والحيادِ الذي يسمونهُ خيانةً عظمى وهذا يثبتُ ان لبنانَ بلدٌ مشرذمٌ بالطائفيةِ.
وكان شعار الشراكةِ والمحبةِ، يَلفُّهمْ بدلَ الضربِ والعنفِ والتكسيرِ واطلاقِ الرصاص المطاطيِّ عليهم و"قلعِ عيونهم".
فلننتظر إذا، الاشهرُ المقبلةُ ستحددُ الى أين سيصلُ طرحُ البطريرك مار بشارة بطرس الراعي حولَ التدويلِ والحيادِ لحلِّ الازمةِ اللبنانية، وأينَ سيصبحُ لبنانُ حينذاك.
اما الخيانةُ العظمى والكبرى،
فهي في نظرنا الطبقةِ السياسيةِ المتحكِّمة بأسرها منذ 25 عاماً، ونكررُ بالهدرِ والفسادِ والحصصِ والمحاصصةِ والتلزيماتِ والمناقصات،
واستطراداً إفقارِ ونهبِ وتحويلِ مالِ الشعبِ اللبنانيِّ بالليالي السوداء ، هذا ما نسمِّيهِ نحنُ الخيانةَ العظمى.