#الثائر
- " الهام سعيد فريحة "
وهكذا، في ذكرى 6 أشهرٍ على الكارثةِ، وفيما الدمُ ما زالَ طريّاً، ونحيبُ الأمهاتِ والأطفالِ يتردّدُ بينَ ركامِ الأحياءِ المدمَّرةِ، ورائحةُ النيتراتِ تُسمِّمُ كلَّ شيءٍ، يُمكنُ القولُ إن الملفَ أقفلَ عملياً…
إنها حقيقةٌ موجعةٌ بقدرِ ما هو الانفجارُ موجِعٌ، لكنها لم تفاجئنا.
فبعدَ يومٍ أو يومينِ من 4 آب، وعدوَّنا بأنَ التقريرَ الواضحَ حولَ المسؤولياتِ سيصدرُ بعدَ 3 أيام.
طبعاً لم نصدِّق. فالتجاربُ علَّمتنا الكثيرَ. وتوقَّعنا أن يُماطلوا ويؤجّلوا التقريرَ أسابيعَ وشهوراً حتى تموتَ القضيةُ… وهذا ما حصل.
فألفُ رحمةٍ لأرواحِ الشهداءِ، وألفُ تعزيةٍ لأهاليهم ومُحبِّيهم، واللهُ يعوِّضُ الخسائرَ الكارثيةَ.
***
وقائعُ الأيامِ الأخيرةِ توالت سريعاً كالآتي:
قبل شهرٍ، أوقفَ القاضي فادي صوّان تحقيقاتهِ بناءً على دعوى "الارتيابِ المشروعِ" التي تقدَّمَ بها الوزيران السابقان علي حسن خليل وغازي زعيتر.
الثلاثاء بتاريخ 16 الجاري ، ادلى امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بكلمةٍ قال فيها:
"معلوماتنا أن التحقيقَ الفنيَّ لدى الجيشِ انتهى، وأُرسِلَ الى المحقّقِ العدليِّ. ونحنُ تابعنا الملفَ مع الجهاتِ المعنيةِ. ويجبُ إعلانُ الجانبِ الفنيِّ من التحقيقِ لمعرفةِ الحقيقةِ وتحميلِ المسؤولياتِ. فهناكَ عائلاتُ شهداءٍ ومتضررينَ، ومنهم من لديهِ عقدُ تأمينٍ. وشركاتُ التأمينِ تنتظرُ نتائجَ التحقيقِ كي تَدفعَ أو لا تدفع".
تزامناً، وعلى خلفيةِ عقودِ التأمينِ، انطلقتْ حملةٌ عنيفةٌ، تتهمُ القاضي فادي صوّان بأنهُ يربطُ مسارَ التحقيقِ بعقدِ تأمينٍ خاصٍ بهِ، وتتوقعُ لهُ أن يتنحّى.
***
في اليومِ التالي، أصدرَ صوّان مذكرةَ توقيفٍ بحقِ الوزيرِ السابقِ يوسف فنيانوس، واستدعاهُ للحضورِ إلى مكتبهِ.
لكنهُ رفضَ الحضور معتبراً أن الاستدعاءَ لم يتمَّ وفقاً للأصولِ. ثم حُدِّدَ له موعدٌ في 23 من الجاري للحضورِ.
وعلى الأثرِ، بدأت تتسرّبُ معلوماتٌ مفادها أن صوّان طلبَ التنحّي. ثم جاء قرارُ محكمةِ التمييزِ في دعوى خليل وزعيتر، وقضى بقبولِ نقلِ الدعوى من يدِ صوان إلى قاضٍ آخرَ سيتمُ تعيينهُ.
وهكذا، يمكنُ القولُ، تحتَ عناوينَ عقودِ التأمينِ و"الارتيابِ المشروعِ"، وعندما بدأ الملفُ يسلكُ طريقهُ نحو خطواتٍ عملانيةٍ، طارَ فجأةً.
فكم مؤلمٌ أن يتزامنَ ذلكَ مع عيد الــ 88 لمولد رئيسِ الجمهورية ميشال عون. فعسى أن يُعطيهِ اللهُ مزيداً من العمرِ، وأن تتحققَ العدالةُ في عيدهِ المقبلِ بإذنِ اللهِ.
وفي الانتظارِ، وبمعزلٍ عن النقاشِ في صحّةِ موقفِ هذا أو موقف ذاكَ، نعزّي أهلنا الموجوعينَ المقهورينَ الصابرينَ، ونقولُ لهم:
عاجلاً أو آجلاً سينتصرُ الحقُّ ويعودُ إلى أصحابهِ... كلنا إيمانٌ!
***
نعم، مع الدخانِ الأحمرِ الذي انبعثَ من جحيمِ بركانِ 4 آب، تتبدّدُ الحقوقَ وتضيعُ المسؤولياتُ في المرفأ كما في كلِّ شيءٍ.
فماذا مثلاً عن التحقيقِ الجنائيِّ في مصرفِ لبنان والمرافقِ الأخرى والوزاراتِ والمصالحِ والإداراتِ؟ وأينَ أموالُ الناسِ المنهوبةُ؟
ما هي الأصابعُ الخبيثةُ التي قرّرت أن تُطلقَ العنانَ لجنونِ الدولارِ مجدداً، على ما يبدو، وتفتحُ شهيةَ البلدِ على جهنّمٍ؟
وأيُّ وحشٍ من الادغالِ يُحضِّرونهُ ليأكلَ الناسَ فلا يفتحوا أفواههمْ للمطالبةِ بعدالةٍ أو بلقمةِ عيشٍ؟
***
بدولار الـــ 9500 ليرة، وصعوداً نحو المجهولِ ربما، هل تعرفونَ إلى أينَ سينقادُ البلدُ؟
هل تعرفونَ أيَّ انهيارٍ سنُقبِلُ عليهِ، فيما العالمُ كلّهُ يتفرَّجُ علينا شامتاً؟
ذاتَ يومٍ من الزمنِ الغابرِ، انهارتْ امبراطوريةُ يوسف بيدس في "إنترا"، وكانت ضربةٌ إسرائيليةٌ لاقتصادنا. لكننا صمدنا لأننا كنا في ذُروةِ قوتنا واستثماراتنا.
اليومَ بماذا استثمرتمْ، سوى بالفسادِ والهدرِ والنهبِ؟
وكم صديقاً وشقيقاً أبقيتمْ لنا في العالمِ ليشفعَ بحالنا؟
بدولار 9500 وما فوق، صارَ الجميعُ فقراءَ، حتى الذين كدّوا وتعبوا وارتقوا بأعمالهم لتُصبحَ رواتبهم مليونينِ أو ثلاثةَ أو خمسةً، او اكثر.
اليوم كلنا فقراءٌ من ايديكم يا "جهابِذةَ" الحكمِ والتحكُّمِ.
***
في لحظةٍ ما، وهي آتيةٌ حتماً، سينتفضُ الفقراءُ والموجوعونَ والمقهورونَ ويستردونَ المبادرةَ والحقوقَ.
عاجلاً أو آجلاً، سيثورُ هذا الشعبُ اللبنانيُّ الكريمُ الأصيلُ العنيدُ.
هذا الشعبُ الذي دَحَرَ الاحتلالاتِ والانتداباتِ كلها وانتصر، سينتصرُ على مَن يُحاولُ أن يَدوسَ على كرامتهِ.
إتَّعظوا يا اقوياءَ القومِ، من دروسِ التاريخِ القديمِ والحديثِ.
وكونوا على ثقةٍ في "أن الله معنا" وأن دعواتنا "كلنا يعني كلنا"،
ان "الله رحْ يَصطفل فيكن".