#الثائر
د. عصام نعمة إسماعيل
قالها يوم أمس أحد النواب بأن المعاهدة الدولية تعلو فوق الدستور. هذا قول مرفوض بالمطلق، فالمعاهدات الدولية في لبنان تقرّ وفق النص الدستوري الذي حدد المراجع المختصة للتفاوض وإبرام هذه المعاهدات في المادة 52 منه، معطياً الصلاحية الأولى للحكومة بحيث تبرم معظم المعاهدات بموجب مراسيم تصدر بعد موافقة مجلس الوزراء، ثمّ كانت الصلاحية الثانية في الإبرام لمجلس النواب في القضايا التجارية والمالية وفي المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة.
هذا الدستور الذي نظّم آلية إقرار المعاهدات لا يصح أن نصفَ ما ينشأ عنه بأنه يسمو عليه، بل لا يجوز أن يكون سمو الدستور محلّ خلاف على الاطلاق، فالدستور هو القانون الأسمى في الدولة، وله الصدارة العليا في الانتظام القانوني القائم. ولا يغيّر من هذا الطرح أن الدستور اللبناني قد أقرّ في الفقرة "ب" من مقدمته التي أعطت بعض المواثيق والمعاهدات القوة الدستورية، وهي مواثيق جامعة الدول العربية ومواثيق منظمة الامم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وقد بحث #المجلس الدستوري اللبناني مسألة قيمة هذه النصوص الدولية، واعتبر أن هذه المواثيق الدولية المعطوف عليها صراحةً في مقدمة الدستور تؤلف مع هذه المقدمة والدستور جزءاً لا يتجزأ وتتمتع معاً بالقـوة الدستورية (م.د. قرار رقم2/2001 تاريخ10/5/2001 الصادر في الطعن بالقانون رقم296 تاريخ 2/4/2001)، ولولا هذا العطف لما كان للمجلس الدستوري أن يقرر منح معاهداتٍ القيمة الدستورية، ولهذا فإن ما نال مرتبة النص الدستوري هو حصراً المعاهدات المذكورة في مقدمة الدستور، أما بقية المعاهدات فتبقى في مرتبة أدنى من الدستور، دون أن يعني ذلك أن الدولة تستطيع أن تتحلل من هذه الاتفاقيات بإرادتها المنفردة، بل عليها السعي لمواءمة تشريعاتها معها، إذ بمجرّد استيفاء المعاهدة جميع الشروط والإجراءات القانونية الداخلية لا سيما التصديق والنشر، تصبح واجبة النفاذ في النظام الداخلي، بشكل يوجب مواءمـة المنظومة القانونية الوطنية مع أحكام المعاهدات المصادق عليها(م.ش. قرار الرقم 239 تاريخ 12/1/2016، نقابة مستوردي المواد الغذائية والاستهلاكية والمشروبات في لبنان ورفيقاتها/ الدولة).
وحيث إن من المسلم به أن الاجتهاد يأخذ بسمو المعاهدة الدولية على القانون العادي أو على أقل تقدير يعتبرها بمرتبة هذا القانون، فإنه أخرج عن دائرة رقابته النظر في الطعن المباشر بمعاهدة دولية كمثل ردّه الطعن بوثيقة العهد والوفاق والتضامن بين قادة الدول العربية- الصادرة بموجب مرسوم استناداً للمادة 52 من الدستور اللبناني، (م.ش. قرار رقم528/2005-2006 تاريخ21 حزيران 2006، الدكتور محمد المغربي/ الدولة- رئاسة الجمهورية).
أما في فرنسا فلقد حسم الدستور الفرنسي (المادة 55) مسألة سموّ المعاهدات الدولية على القانون الداخلي مستبعداً بصورة ضمنية أسبقيتها على الدستور، وقضى الاجتهاد بأن المعاهــــدات الدوليــة لا ترقـــى إلـــــــى مرتبة النصوص الدستورية (CE.,Ass,30 octobre 1998,Sarran)، وما يؤكد أيضاً أسبقية الدستور أن المادة 54 من الدستور الفرنسي تكرّس مبدأ الرقابة المُسبقة على الاتفاقيات الدولية إذا كانت مطابقة للدستور قبل الشروع بالتصديق عليها، وهذا يعتبر بمثابة تأكيد ضمني لأسبقية الدستور على الالتزامات الدولية (Cons. const., 22 janv. 1999, déc. n° 408 DC )، بموجب هذا القرار أجبرت الدولة الفرنسية على تعديل دستورها لكي تستطيع أن تصادق على نظام المحكمة الجنائية الدولية.
نخلص مما تقدّم إلى أن مبدأ سمو الدستور لا يجوز أن يكون محلّ نقاش أو تأويلات تسعى للتقليل من قيمة النص الدستوري ومقامه الأعلى في المنتظم القانوني الداخلي.