#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
كانت لافتةً السرعةُ في إسقاطِ حكومةِ حسان دياب، والحماسةُ لدى معظمِ الأطرافِ في لبنانَ للتخلصِ منها وتشكيلِ حكومةٍ جديدة. وعندما طلبَ دياب مهلةَ شهرينِ رُفضَ طلبُه ، وتمَ التلويحُ باسقاطِ الحكومةِ في جلسةِ مجلسِ النوابِ ، عبرَ طرحِ الثقةِ بها .
قَبِلَ سعدُ الحريري النصيحةَ بالابتعادِ عن رئاسةِ الحكومةِ، وتمَ السيرُ بالاقتراحِ المُنسّقِ والمدعومِ من رئيسِ جهازِ المخابراتِ الخارجيةِ الفرنسيةِ برنارد أميي. فتمّ تكليفُ السفيرِ مصطفى أديب بتشكيلِ الحكومةِ ، لكنه اعتذرَ بعدَ فترةٍ قصيرةٍ، دونَ أن يُقدِّمَ أيّةَ تشكيلةٍ، مِمّا جعلَ الأمرَ يبدو وكأنه عمليةُ شراءٍ للوقتِ ليسَ أكثر، لأنّ الأطرافَ اللبنانيةِ كُلُها، لم تكُن مستعدةً لدعمِ حكومةِ مستقلين.
اعتقدَ سعدُ الحريري أن الوقتَ حانَ للعودةِ إلى السراي وفقاً لشروطِهِ، وطَرَحَ نفسَهُ مرشحاً وحيداً لرئاسةِ الحكومةِ، في مقابلةٍ تلفزيونية. فردَّ الرئيسُ ميشال عون بكلمةٍ تمنّىَ فيها ضمنياً على النوابِ عدمَ تسميةِ الحريري، لأنّهُ كان يعلمُ جيداً أن سعدَ الحريري سيقبضُ على ورقةِ التكليفِ، وينتظرُ هذهِ المرة، حتى تُلبّىَ الشروطُ التي يُريدها. فوِفقاً للدستورِ لا يوجدُ مهلةٌ لتأليفِ الحكومةِ، كما لا يمكنُ سحبُ التكليفِ مِنهُ، ويعلمُ الرئيسُ أيضاً أن العلاقةَ بين باسيل والحريري صار يصعُبُ ترميمُها في هذهِ الظروفِ. والرئيس عون مستعدٌ للتضحيةِ بكل شيٍ ، من أجلِ الحفاظِ على مصلحةِ باسيل ، خاصةً أنّه لم يبقَ لهُ الكثيرُ من عهدهِ.
ربطَ المُحللونَ بينَ العقوباتِ الأمريكيةِ على الوزيرينِ علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، والوضعِ اللبناني . باعتبارِ أنها رسالةٌ من الادارةِ الأمريكيةِ لعرقلةِ تشكيلِ الحكومةِ، ثُمَّ تكررَ الأمرُ مع العقوباتِ على جبران باسيل .
رَغمَ كُل التحذيراتِ الأمريكيةِ بقي باسيلُ مقتنعاً حتى اللحظةِ الأخيرةِ، أن الأمريكيينَ يُهدِّدونَهُ بفرضِ العقوباتِ لكنهُم لن يفعلوا. وبعدَ صُدور القرارْ جاء ردُ فعلِهِ غيرُ مدروسٍ ، فرفعَ سقفَ خِطابِهِ في مواجهةِ الأمريكيينَ، وحاولَ الإستفادةَ مِن الحدثِ، بأخذِ تعهُّدٍ من حزبِ الله، بتبنّي ترشيحَهُ إلى رئاسةِ الجمهوريةِ، كونَ العقوباتِ هي بسببِ رفضِهْ فكَّ التحالفِ مع الحزبِ. استدعى كلامُه رداً مِن السفيرةِ الأمريكيةِ ، حيثُ قالتْ: بأنهُ وافقَ في حديثِهِ سابقاً مع الأمريكيينَ، على فكِ ارتباطِه بالحزبِ، لكن بشروطٍ. وبحسبِ التسريباتِ فإن أوّلَها كانَ طلبُ دعمٍ أمريكي لوصولِهِ إلى سدةِ الرئاسة.
الآنَ أصبحتِ العراقيلُ عديدةً أمامَ تشكيلِ الحكومة :
السببُ الأولُ: هو عدمُ وجودِ الرغبةِ الدوليةِ (باستثناءِ فرنسا ) ، بتشكيلِ حكومةٍ لبنانيةٍ، تتمثّلُ فيها القوى السياسيةِ خاصةً حزبُ الله. إضافةً إلى أن الأهتمامَ الدولي بلبنانَ تراجعَ كثيراً، فلدى هذِه الدولِ مشاكلٌ عديدةٌ داخليةٌ وخارجيةٌ، لها الأولويةُ على الشأنِ اللبناني .
ثانياً: فوزُ المرشحِّ الديمقراطي جو بايدن في انتخاباتِ الرئاسةِ الأمريكيةِ، ولو أن النتائجَ ما زالت غيرُ محسومةٍ بشكلٍ نهائي، لكن بعضَ الأطرافِ في لبنانَ، يُراهنُ على تغييرٍ في السلوكِ الأمريكي في المرحلةِ القادمةِ. هذا إضافةً إلى حالةْ الترقّبِ والحذرِ، مِن إمكانيةْ إقدامِ الرئيسِ ترمب على الهروبِ إلى الأمامِ، والقيامِ بمغامرةٍ عسكريةٍ ، تستهدفُ إيرانَ أو في مكانٍ آخر .
ثالثاً: تريُّثُ الرئيسِ الحريري، فهو لا يريدُ القبولَ بتلبيةِ رغباتِ الأطرافِ الحزبيةِ اللبنانيةِ، ويتمسّكُ باختيارِ الوزراءِ من مستقلينَ ووفقاً لصلاحياتِهِ الدستوريةِ، وبمبدأِ أنّ الكتلَ التي لم تُسمِّهِ لن تتمثلَ في الحكومةِ. فهو يريدُ حكومةً تُعيدُ لهُ وهجَ الزعامةِ السابقةِ، ويرضى عنها المجتمعُ الدوليُ، لتأمينْ بعضِ الدعمِ المالي للبنانَ في المرحلةِ القادمة.
رابعاً: لا مفرَّ أمامَ لبنانَ من رفعِ الدعمِ عن المحروقاتِ، وبعضِ السلعِ الأخرى. وهذا الإجراءُ باتَ قريباً، بسببِ نقصِ الأموالِ المتوافرةِ لدى البنكِ المركزي، وهذا سيسببُ ردودَ فعلٍ غاضبةٍ في الشارعِ ، قد تُسقِطُ الحكومةَ القائمةَ. ولهذا مِن الأفضلَ أن يتمَّ تحميلُ هذا الإجراء ، الى حكومةِ دياب الراحلةِ ، ليكونَ بعدَها البابُ مفتوحاً أمامَ الحكومةِ الجديدةِ، لتسجيلِ الإيجابياتِ في لجمِ التدهورِ، واتّخاذِ قراراتٍ شعبية.
خامساً: رغبةُ الرئيسِ عون بالتعويضِ على جبران باسيل، وتعزيزِ موقعِهْ ومنحِهِ حقَ تسميةِ وزراءِ التيارِ الوطني الحرِّ . وذلكَ انطلاقاً من مبدأِ المعيارِ الواحدِ. فلا يجوز أن تُسمّي أملُ، والحزبُ التقدمي الاشتراكي، وحزبُ الله، وزراءَهُم، ويكونُ ذلكَ ممنوعاً على رئيسِ التيار .
سادساً: تراجُع دورِ الحراكِ الشعبي، فإن الثورةَ فشِلتْ في توحيدِ صفوفِها، كما أنّ بعضَ المتسلقينَ على قيادتِها أساؤوا التصرّفَ، وتبيّنَ أنّهم لا يحملونَ برنامجاً أو حلولاً، فتحوّلتِ الثورةُ إلى ثوراتٍ، يقودُها أغرارُ في السياسةِ والعملِ الثوري، وينطقُ باسمِها هواةٌ في العملِ التنظيمي. فتمكّنتْ بعضُ الأحزابْ من اختراقِ الثورةِ، والسيطرةِ عليها، وجعلِها فوراتَ غُبَّ الطلبِ، يُوجِّهُونَها ضِد أهدافٍ ثانويةٍ ، كالمطالبةِ باسقاطِ حاكمِ المصرفِ المركزي أو غيره .
سابعاً: رغبةُ بعضِ الأطرافِ اللبنانيةِ باستمرارِ الوضعِ القائمِ. فهُناكَ مَن يجني أموالاً طائلةً مِن تهريبِ السلعِ المدعومةِ والتهرُّبِ الجمركي، وتجارةِ المخدراتِ، إضافةً إلى عملياتِ التلاعبِ بسعرِ صرفِ الدولارِ، وحركةِ الاستيرادِ من الخارج.
ثامناً: رغبةُ جمعيّةِ المصارفِ بتأجيلِ إصدارِ قانونِ الكابيتال كونترول، الذي قد يُلزِمُها بعملياتِ دمجٍ ، ودفعِ مبالغَ لأصحابِ الودائعِ ، وإعادةِ أموالِ البنوكِ مِن الخارجِ ، ويفرضُ عليها قيوداً جديدةً ، فيما هي الآنَ مستفيدةٌ من حالةِ الظروفِ الإستثنائيةِ، لعدمِ تطبيقِ قانونِ النقدِ والتسليفِ، وتحتجزُ أموالَ المودعينَ، دونَ دفعِ الفوائدِ عليها .
وهذا كُلّهُ سيضرُّ بمصالحِهِم، اذا حصلَ قبلَ إيجادِ تسويةٍ شاملةٍ، تُعيدُ استقرارَ الاوضاع الاقتصادية والسياسية في المنطقةِ ولبنانَ. ولذا يفضلُ هؤلاء عدَمَ استعجالِ ولادةِ حكومةٍ فاعلةٍ الآنَ.
تاسعاً: رَغمَ شعورِ جميعِ القوى بضرورةِ لجمِ التدهورِ في لبنانَ، لكنّهُم يتهيّبونَ تحمُّلَ المسؤوليةِ، لأن مواجهةَ الأزمةِ ستكونُ صعبةً للغايةِ، وإنّ قراراتَ الحكومةِ المقبلةِ اذا ارادتْ الإصلاحَ لن تكونَ شعبيةً إطلاقاً ، وستضعُها في مواجهةِ الناس.
عاشراً: انسدادُ أُفُقِ الحلِ . فلبنانُ لا يُمكنُ إنقاذُهُ بمليارٍ، أو حتى بخمسةِ مليارات دولار، يُقدِّمُها البنكُ الدولي وصندوقُ النقدِ أو غيرَه. كما أنّ الدولَ القادرةَ على تقديمِ المساعدةِ، غيرَ متحمسةٍ لذلكَ الآنَ، وهي تريدُ ثمناً لهذِهِ المساعداتِ، يصعُبُ على الأطرافِ اللبنانيةِ القبولُ به.
هناكَ أيضاً أسبابٌ أُخرى تُعرقلُ التشكلَ. وبالمختصرِ لا ولادةَ قريبةَ لحكومةِ الإنقاذِ، واذا تمَّ الاتفاقُ بينَ هواةِ التعطيلِ والمناكفةِ في لبنانَ ، فستكونُ حكومةَ تقطيعٍ للوقتِ، وأعجزَ مِن أن تجدَ حلولاً لأزماتِ لبنانَ المتعددةِ والمتفاقمةِ، وإنّ أفضلَ سيناريوهاتِ لبنانَ سيّءٌ للغاية.