#الثائر
كتبت صحيفة "الأخبار" تقول: يسود اقتناع لدى القوى السياسية بأنّ سعد الحريري يُسلّط الضوء على مشكلته مع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ، ليُخفي العقدة الحقيقية التي تمنع تأليف الحكومة. الولايات المتحدة تمنع حكومة يتمثّل فيها حزب الله، فيما الحريري يرهن كلّ "سيادته" لديها. لا يقدر على أن يواجه واشنطن، التي يُقال إنّها تشهر سيف العقوبات في وجهه، ويُدرك أنّه لا يقدر على تخطّي فريق لبناني أساسي. في هذا "الوقت الضائع"، تنهار الليرة أكثر، ويُعيد رياض سلامة تفعيل التهديد بوقف الدعم، ما يعني انفجاراً اجتماعياً، ما لم تسبقه خطة مُحكمة
كما لو أنّ ثمّة من "كَبس الزر"، مُعلناً انطلاق حملة "رفع الدعم". الحديث مع أي من المسؤولين في مصرف لبنان أو المجلس المركزي يقود مُباشرةً إلى "نقّهم" حول عدم القدرة على الاستمرار في دعم المواد الأولية. إذا كان السؤال عن أي قضية نقدية أو مالية أو اقتصادية، يردّون بأنّه "لم نعد قادرين على الدعم والحكومة لا تتجاوب معنا". استفاقوا قبل أيام على أزمة تعود إلى أشهر مَضت، والأمر ليس "بريئاً" تماماً. فمصرف لبنان ــــ وجميع "حلفائه" ــــ قرّر الانتقال إلى "الخطّة ب" من قرار مواجهة الدعم للسلع الرئيسية: الدواء، القمح، السلّة الغذائية، المحروقات. يُعاونه في خطّة "خطورة استمرار الدعم"، كُتل سياسية، ورجال مال... وأعضاء المجلس المركزي. "التهويل" المُتجدّد، سببه رئيس الحكومة المُكلف سعد الحريري. فسلامة "فقد الأمل" من أن يتمكّن "درعه السياسي"، الحريري، من تأليف حكومة في المدى المنظور. كان يُراهن على التشكيلة الجديدة لتتحمّل هي وزر رفع الدعم شعبياً، فيُخفّف "المركزي" مواجهات مع الناس. ولكن، بما أنّ الحريري لن يعود إلى السرايا قريباً، لم يُترك لسلامة من خيار سوى التعامل مع حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسّان دياب، الذي ترتفع بينهما جبالٌ من الخلافات وقلّة التواصل. يتقاذفان كرة المسؤولية، لأن لا أحد في "الدولة" يجرؤ على اتخاذ قرار، ولا على وضع خطّة تُطبّق. أمام هذا الواقع، عاد الضغط عبر إطلاق "حملة تهويل". والحُجّة القديمة/ الجديدة أنّ "المركزي" لم يعد يملك ما يكفي من الدولارات في "حساب الاحتياط" لاستيراد المواد الرئيسية. ولكن، هل يملك أحدٌ جواباً ــــ باستثناء سلامة ــــ عن حجم "الاحتياطي القابل للاستخدام" من مُجمل "حساب الاحتياط"، حتّى يتبيّن للرأي العام إن كان "التهويل" مُبرّراً، أم أنّ الهدف منه ممارسة الضغوط السياسية؟ الجواب الوحيد الذي يملكه أعضاء المجلس المركزي، وعمّموه، أنّ المبلغ يراوح ما بين 2.6 مليار دولار و3 مليارات دولار أميركي. اللافت أن يكون الرقم شبه ثابت منذ أشهر. السبب بكلّ بساطة أنّ رياض سلامة "يخدع" كلّ المسؤولين، ولا يسمح لهم بالاطلاع على أي معلومات، حتى لو كان كشفُها حقّاً للعامة.
لا يُلغي ذلك وجود مُشكلة في شكل الدعم في لبنان، ففي معظم الدول يكون الدعم موجّهاً حتّى تستفيد منه الفئات الأكثر تضرّراً في المجتمع. في حين أنّ الدعم الشامل لكلّ السكّان، يعني لا عدالة في الاستفادة، واستمرارية لمنطق تركّز الثروة في يد قلّة على حساب الأكثرية.
مثلاً، أحد "أصحاب الثروات" في البلد، لديه مليار دولار، يملك أكثر من سيارة، وسائقاً ومرافقين له ولكل فرد من أفراد عائلته، قادرٌ على دفع ثمن المحروقات مهما ارتفع سعرها، لكنّه يستفيد من استيرادها بالسعر المدعوم. في المقابل، لن يستفيد أي شخص غير قادر على امتلاك سيّارة من دعم المحروقات، وفي الوقت ذاته، هو محروم من تنفيذ شبكة نقل عام فعّال ومُنظّم تُخفّف عليه التكلفة. المطلوب إذاً ليس أقل من إيجاد صيغة جديدة للدعم، تُصيب مُباشرةً الفئات المُتضررة، يسبقها وضع سياسات تُواكب رفع الدعم، وتوجد حلول لمسألة النقل والغذاء والحصول على الدواء والخدمات الرئيسية. لا تهديد الناس يومياً بتوقّف الدعم، وانقطاع المازوت والبنزين، وفي مرحلة مقبلة انقطاع خدمة الإنترنت لعدم القدرة على الدفع للموردين، وإطلاق "وعود" لا تُغني ولا تُسمن عن "بطاقات" ستوزّع على "المحتاجين". كيف سيتمّ تحديد المُستفيدين من البطاقات في بلد تخطّت نسبة الفقر فيه الـ 55%؟ إذا كانت الدولة عاجزة عن إصدار إخراجات قيد، فكيف يثق الناس بإصدار بطاقات؟ وبعدما سُرقت دولارات المودعين واحتُجزت أموالهم لدى المصارف، ولم تُقرّ استراتيجية الحماية الاجتماعية التي وُعد المواطنون بها، وتُعرقل المساعدات العينية، لماذا عليهم أن يُصدّقوا المزيد من الوعود؟ من يُريد إلغاء الدعم، أو ترشيده، فيُفترض أن يكون قد بدأ العمل منذ أشهر، وأطلق البطاقة، وجرّب مدى فعاليتها وعالج الثغرات فيها، قبل أن يترك الناس من دون مُعيل ليواجهوا انهيار قدراتهم الاستهلاكية وانهيار العملة والارتفاع الجنوني للأسعار. ليل أمس، وصل سعر الصرف في "السوق السوداء" إلى أكثر من 8300 ليرة للدولار الواحد. صحيحٌ أنّ عوامل ارتفاعه "مُبرّرة" بسبب الأزمة المالية/ النقدية، لكنّ جزءاً أساسياً من سعر الصرف يتحكّم به التلاعب السياسي. ولكن "الجوقة" التي تُحرّض ضدّ الدعم، هي نفسها التي تحمي رياض سلامة وتمنع تطبيق القانون وفرض التدقيق الجنائي في كلّ حسابات مصرف لبنان، حتّى تتبيّن فعلاً قيمة الخسائر، والالتزامات والمطلوبات، والمبالغ المُتبقية. ومن غير المُستبعد أن تكون "شيطنة" الدعم أخيراً تمهيداً لتعميم سيُصدره "المركزي" باتخاذ قرار بوقف الدفع لاستيراد المواد المدعومة، أو تخفيف الدعم عن سلع محددة، وأن يصبّ ذلك في خانة الضغط السياسي ليفرض سعد الحريري شروطه في تأليف الحكومة.
بالنسبة إلى الملفّ الحكومي، تكاد المعلومات تُجمع على أنّ الحريري "يفتعل" مشكلة مع "فريق العهد" ليهرب من "العقدة" الحقيقية التي تمنع تأليف الحكومة، وهي تمثّل حزب الله فيها. ففي الاجتماع الأخير بين الرئيس ميشال عون والحريري، وافق الرئيس على أن تؤلّف من 18 عضواً، مُقسمة بالتساوي بين المُسلمين والمسيحيين. المُفاجئ كان في شرط الحريري الجديد، تسمية 7 وزراء مسيحيين من أصل 9، وترك "الحُرية" لعون بأن يُسمّي وزيرَي الخارجية والدفاع، شرط أن "يُوافق" عليهما الحريري أيضاً. تقول المصادر إنّ الحريري "وبعد إبلاغه من قنوات أميركية رسمية رفض مشاركة حزب الله في الحكومة، أكان مباشرةً أم غير مباشرة، فرمل تأليف الحكومة، لا بل أصبح مذعوراً من الفكرة وقد يكون من مصلحته تأجيلها حتّى اتضاح اتفاق إقليمي ما"، ولا سيّما أنّه انتشرت "أخبارٌ" في الساعات الماضية عن أنّ الحريري "لم يُبلّغ حصراً بمنع توزير محسوبين على حزب الله، بل هُدِّد بإضافته هو شخصياً إلى لائحة العقوبات الأميركية في حال تشكيله حكومة مع الحزب". وفي هذا الإطار، أعلن القيادي في "تيار المستقبل"، مصطفى علّوش عبر قناة "Otv" أنّ "المقربين من الحريري ينصحونه بتقديم تشكيلة حكومية قريباً إلى رئيس الجمهورية... هو قادر على تأليف حكومة من دون حزب الله بالاتفاق معه"، مُضيفاً إنّه "يُمكن الحريري التشاور مع الكُتل التي سمّته، أما التي لم تفعل فلن تدخل الحكومة. ولرئيس الجمهورية 3 وزراء من أصل 9".