#الثائر
" د. ميشال الشمّاعي "
بدت لافتة المستويات الخطرة التي وصلت إليها الأزمة اللبنانيّة والتي لا يمكن إدراجها إلا تحت مسمّى "التحلّل الدولتيّ" وهذا النداء الذي برز البارحة في عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حين قال: :" هل هذا التمادي في تعطيل الحكومة والاستهتار بمصالح الشعب والوطن جزء من مشروع اسقاط دولة لبنان الكبير لوضع اليد على مخلفاتها ؟" وسيّد بكركي لا يبحث عن تسجيل المواقف بل هو يطلق جرس الانذار الوجودي. فهل دقّ هذا الخطر الوجودي على الأبواب؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ الجولات التسع التي أجراها فخامة الرئيس مع دولة الرئيس سعد الحريري للتباحث في تشكيل "حكومة المهمّة" لم تكن مهمّة إذ لم تحقّق أيّ خرق في جدار الأزمة. لذلك، انتقلت الأزمة اللبنانيّة اليوم إلى مرحلة أخرى تختلف عن مرحلة المبادرات لتتخطّاها إلى مرحلة الانذارات الأخيرة. وستكون المادّة الرئيسيّة على طاولة المباحثات الأميركيّة – الفرنسيّة في لقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ووزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان اليوم في قصر الاليزيه ضمن الزيارة الرسمية التي يقوم بها بومبيو لباريس لاجراء محادثات مع الرئيس الفرنسي حول الملفات التي تديرها الدّولتان بشكل مشترك.
والديبلوماسيّة الايرانيّة – الأسديّة التي مارسها حزب الله والسلطة السياسيّة لشراء الوقت قد استنفدت حتّآ ما بعد النهاية ولم تعد نافعة. وحتّآ لو لم تعلن بعد الديبلوماسيّة الفرنسيّة فشلها المطلق، فلجوؤها إلى الأميركي هو خير دليل، وبالتّالي سنكون أمام إدارة جديدة للأزمة اللبنانيّة بإخراج أميركي. ومن المؤكّد أنّه سينسجم مع الديبلوماسيّة الأميركيّة ببعديها الإقليمي والمحلّي. من هنا جاءت صرخة بكركي الوجوديّة التي تجلّت برمزيّة إسقاط لبنان الكبير. ولن تسمح الدّول العظمى بتحقيق هذا الخرق الوجودي في شرق المتوسّط لحساب المحور الايراني، لما يعنيه ذلك من عنصر قوّة جديد لإيران سيمدّها بالحياة إلى ما بعد انتهاء ثروات شرق المتوسّط الطبيعيّة. وهذا بالطّبع لا يتلاءم والمصلحة الأميركيّة.
لقد دقّت بكركي ناقوس الخطر مسقطة الديمقراطيّة التعطيليّة التي مارسها حزب الله وحليفه المسيحي حيث صار الدّستور في هذا العهد الذي لم يوقّع حتّى على التشكيلات القضائيّة مجرّد حبر على ورق. ولا خلاص للبنان إلا بالعودة إلى الكتاب. ومتى أسقط هذا الكتاب يعني قد سقط لبنان كلّه في أتّون محور الممانعة. وهذا ما حذّر منه بدوره رئيس حزب القوّات اللبنانيّة بلفته النّظر بشكل مباشر عن رغبة هذا المحور بوضع يده على لبنان. ولن يستطيع هذا المحور أن يتحدّى العقوبات الأميركيّة بإخراج الوزير باسيل من تحت وطأتها بإعطائه مكاسب في الحكم.
ولم يخفِ رئيس القوّات نظرته في توصيف الواقع بتشبيهه اليوم بوضعيّة العام 1975 عندما أتى الخطر الوجودي من مكوّن غير لبناني لاقاه فيه بعض المكوّنات اللبنانيّة آنذاك. وكانت المقاومة اللبنانيّة رأس الحربة في إسقاط هذا المشروع. ما أشبه اليوم بالأمس. المشروع نفسه لكن بأدوات محض لبنانيّة، يتزعّمها حزب الله الذي استطاع استقدام جزءًا من المسيحيّين إلى جبهته بعدما كانوا مجتمعين في العام 1975 رأس حربة في إسقاط مشروع تغيير هويّة لبنان. لكن هذه المرّة النّظرة الدّوليّة مختلفة تمامًا؛ في حين أنّها كانت ترى في الماضي أنّ المظلوميّة واقعة على منظمة التحرير من قبل المسيحيّين وأخذت المسألة أكثر من ستّ سنوات لتغيير هذه النظرة في الغرب. بينما اليوم الرؤية واضحة والغرب مدرك تمامًا حقيقة المشروع الايراني الذي يقوده حزب الله.
لذلك، سيشهد هذا الأسبوع مواقف ديبلوماسيّة نوعيّة من الأزمة اللبنانيّة قد تتجلّى بعقوبات جديدة، ستضع لبنان أمام واقعة من اثنتين: إمّا حكومة يبدو فيها الرّضوخ للمطالب الدوليّة واضحًا، وإمّا مواجهة شاملة قد تقودها الدّول مجتمعة لإسقاط هذا المشروع نهائيًّا من شرق المتوسّط كلّه. وما لم يُستَطاعْ تحقيقه في العام 1975 لن يتمكّن أحد من تحقيقه في العام 2020، ومتى دقّ الخطر على الأبواب، فاللبنانيّون الكيانيّون الذين دافعوا بالأمس عن الكيانيّة اللبنانيّة ما زالوا هم هم مستعدّين كلّ لحظة للدفاع ليبقى لبنان. وسيبقى لبنان.