#الثائر
د. ميشال الشمّاعي
أقفل الأسبوع الماضي على تكليف الرئيس الحريري، وبدأ بمشاورات لتأليف حكومته العتيدة. وذلك تحت وطأة مطالبة المجتمع الدولي بالالتزام بشروط المبادرة الفرنسيّة، ومطالبة الثنائي الشيعي بوزارة الماليّة، وهمسًا مسموعًا بتسمية الوزراء الشيعة. وعلى ما يبدو أنّ التأليف سيمرّ بسلاسة لأنّ عودة الرئيس الحريري لما تمّت لو لم تكن مقبولة من القابضين على زمام الحكم في لبنان، ولو لم يضمنوا بقاءهم في الحكم ولو بطريقة غير مباشرة.
إلا أنّ المفارقة بدت بإعلان المجتمع الدولي عدم تعامله مع أيّ حكومة تضمّ وزراء لحزب الله. ما يعني ذلك أنّ الحكومة العتيدة ستكون حكومة التفاف على مطالب المجتمع الدّولي لكنّها لن تمرّ أمامه بالسلاسة التي ستتشكّل فيها. من هنا، إذا تنبّه الرئيس الحريري لهذا المخطّط الدنيء الذي يحاك له من المفترض أن يلجأ إلى التأجيل حتى الانتهاء من تشكيل السلطة الأميركيّة الجديدة. أمّا إذا استطاع دولته تقويض معارضيه ولو بالشكل، كالوزير باسيل ومن ورائه العهد.
لكن يبقى المطلوب الحقيقي بأن يعتمد الرئيس الحريري على معيار واحد هو معيار التقنيّين المستقلّين، لكن المشاورات التي سبقت التكليف لا تنبئ بذلك، إذ صار الحريري مرتهنًا لمَن فاوضهم ليقبلوا بتكليفه. من هنا سنكون أمام حكومة سياسيّة Low Profile، للالتفاف على المجتمع الدّولي من جهة، وفي محاولة لاستيعاب شارع ثورة تشرين. وإن نجح الرّئيس الحريري بتمرير هذه الصفقة قد نشهد مبايعة إقتصاديّة لحكومته من قبل مَن يتحكّم بسوق الصرافين غير الشرعيين، وبدأنا نشهد بشائر هذه المسألة فور الانتهاء من التكليف لضخّ أجواء إيجابيّة بإنجاح الرئيس الحريري.
مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ حزب الله لم يغيّب من اهتماماته متابعة القضاء على الثورة بتفكيكها من خلال افتعال المشاكل بين مكوّناتها من قبل مدسوسيه، وهذا ما شهدناه في اجتماع الثوّار البارحة. من هنا، سيبدو هذا الشارع بموقع الضعيف والمترقّب مومنتوم ما ليستعيد زخم ثورته. ويبقى الاهتمام الأكبر الذي ستسعى إليه حكومة الحريري هو المساعدات الدوليّة والتي تبدو إلى حينه بعيدة المنال.
وسط هذه المشهديّة، مشهديّة راوح مكانك، تحت ستار التكنوقراط، ستبقى الحكومة العتيدة ضمن الأطر عينها، ما يعني أنّ الأوضاع الاقتصاديّة لن تتحرّر من القيد السياسي الذي أفشل بمنظومته المحاصصتيّة هيكل الدّولة. لكن يبدو أنّ المتغيّرات الدوليّة التي تلقّفها الرئيس برّي في ملفّ الترسيم هي السبب وراء هذا التغيير المفاجئ في موقف الحريري الذي أظهر نفسه منقذًا من الضلال ليكون بحكومة ترضي الأطراف السياسيّة على طاولة المفاوضات الدّوليّة. ليتفرّغ بعدها إلى ملفّ المحاصصات النفطيّة والغازيّة انطلاقًا من مقولة مَن يخرج من الجغرافيا يخرج مِن التاريخ.
لذلك كلّه، تلقّف الرئيس الحريري رغبة المجتمع الدّولي بإنهاء عمليّة الفراغ والقضاء على استراتيجيّة حزب الله الذي يمارس الديمقراطيّة التعطيليّة متلطّيًا وراء حليفه المسيحي. وهذا الأخير يبدو أنّه قد رضخ تحت وطأة تهديدات العقوبات المرتقبة، وأسلم للحريري ما لم يسلمه لسلفيه دياب وأديب. من هذا المنطلق، لن تستطيع هذه الحكومة مهما حاول رئيسها أو مفاوضيه بإنقاذ البلد لأنّه بكلّ بساطة إذا مسيرة عربة الخيل بطيئة لا يتمّ تغيير العربة بل الخيل.
على أمل أن تحمل الأيّام القليلة القادمة أي تغيير في مسار السياسة الدّوليّة إزاء لبنان لدفع القوى السياسيّة على اتّخاذ القرارات السليمة؛ ماذا وإلا لن تستطيع هكذا حكومة فرملة الانهيار السريع الذي سيترك البلد مفتوحًا على الخيارات كافّة، من الأمن إلى الاقتصاد وغيرها.