#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
لم يكن ترشيح الرئيس سعد الحريري نفسه لرئاسة الحكومة مفاجئاً للعارفين بخبايا السياسة اللبنانية، لكن المفاجئ كان مستوى الخطاب الهجومي باتجاه جميع الأطراف، والشروط التي طرحها لتشكيل الحكومة، مما أوحى وكأنه يريد التفرد في تشكيل الحكومة، وهذا أمر لن توافق عليه الأطراف الأخرى مهما كان الثمن الأقتصادي الذي سيدفعه الشعب.
اختلفت موافق الأطراف من مبادرة الحرير ي تبعاً لمصالحها الخاصة. فالقوات اللبنانية ترفض أي تسوية بين الحريري والعهد، خاصة بعد أن شعر سمير جعجع بأن تدهور الوضع في البلاد، يتم تحميل تبعاته بشكل كبير للتيار الوطني الحر وسياسة رئيسه جبران باسيل، الخصم الأول لسمير جعجع على الساحة المسيحية.
لن تشارك القوات في أية حكومة، لأن المشاركة لن تكون لصالحها. فهي إن شاركت سيبقى تأثيرها ضعيفاً في الحكومة ومكاسبها بسيطة، كما أنها لا ترغب في إعطاء جرعة تنفس للعهد، الذي يزداد وضعه سوأ مع ازدياد التدهور الأقتصادي والسياسي في البلاد، وربما تُفضّل القوات بقاء حكومة تصريف أعمال حتى نهاية عهد الرئيس عون.
يدعم تيار المردة الرئيس الحريري، وبذلك يحجز حصته الوزارية ، كما يعلم سليمان فرنجية أنه سيحتاج لدعم الحريري في معركته الرئاسية المقبلة. لكن الحريري يحتاج إلى غطاء مسيحي أوسع، ولا تكفي موافقة المردة أو المستقلين كما طرح إيلي الفرزلي. والرئيس عون كان صريحاً عندما طلب من الحريري بعد لقاء بعبدا التفاهم مع باسيل.
لن يُسلّم التيار الوطني الحر للحريري شك على بياض، فبعد انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، بدعم أمريكي وفرنسي، وبعد كلام الحريري التلفزيوني الذي قال فيه صراحة أنه لا يقبل دخول باسيل الحكومة، ولن يقبل حتى بحزبيين ولا بتسمية الوزراء من قبل الأحزاب، جاء الرد سريعاً من رئيس التيار الوطني باسيل الذي لم يستقبل وفد المستقبل، ورفض شروط الحريري في حطاب علني حاد، ولو حصل اتفاق المستقبل والتيار، لكان اليوم كُلّف سعد الحريري تشكيل الحكومة.
إزاء هذه الأجواء أجل الرئيس عون الإستشارات النيابية التي كانت مقررة اليوم لمدة أسبوع، رغم أنه كان يمكن أن تفضي إلى تسمية الحريري، بأصوات نواب تيار المستقبل وتيار العزم والثنائي الشيعي والمردة وبعض المستقلين، ووفقاً لبعض التقديرات كان العدد سيتجاوز ٦٤نائباً.
رفض رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الطريقة التي تحدث بها الرئيس الحريري في مقابلته التلفزيونية، معتبراً أنه اختصر الاستشارات النيابية، وهذا تجاوز للدستور، لكن جنبلاط عاد وأرسل إشارات بإمكانية قبوله ودعمه لحكومة الحريري، شرط أن يتم إحترام حق الطائفة الدرزية والقوى الوطنية ، بتمثيل عادل في الحكومة، موضحاً أنه لن يقبل بحقيبة ثانوية وتهميش لدور الدروز.
وكانت قنوات الأتصال قد أعيد فتحها بين الطرفين، وتتوجت باتصال هاتفي أجراه الحريري بجنبلاط أمس، وكانت نتيجته إيجابية وفق بعض التسريبات.
فضّل حزب الله التريث أيضاً، فهو لا يريد تسليم الحريري ورقة التكليف قبل عقد تفاهمات واضحة معه بخصوص عدة نقاط، رغم أنه لا يعارض من حيث المبدأ، عودة سعد الحريري إلى الحكومة.
ليست وزارة المالية هي العقدة الوحيدة، فالحزب يريد وزارة الصحة والزراعة أيضاً، وباسيل يريد الاحتفاظ بالطاقة والخارجية وتسميةً وزرائه في الحكومة، والمردة يريدون الأشغال، والحريري يريد الداخلية والاتصالات، أما الشؤون الاجتماعية والتربية فقد يتنازل عن واحدة منهما لجنبلاط.
يقول المقربون من جنبلاط إن انزعاجه ليس بسبب تكريس العهد والحريري لأعراف جديدة في السياسة فقط، بل لأن الحريري عندما يعقد صفقاته مع العهد والتيار الوطني الحر وحزب الله، يتنكّر لجنبلاط، وهو يُصرّ على اعتبار الدروز أقلية ثانوية، وهذا ما فعله عندما فاوض على قانون الانتخاب، متناسياً ومتجاهلاً دورهم الرئيسي في بناء لبنان.
ستتكثف الأتصالات في اليومين المقبلين، ولا داعي لاستعجال الإستشارات النيابية، طالما أصبحت نتيجتها شبه محسومة بتكليف الرئيس الحرير، ولهذا السبب سيكون التفاوض معه أسهل الآن على شكل الحكومة، فالجميع يريد معرفة حصته قبل إعلان التكليف، ولهذا السبب تتوقع مصادر متابعة أن تولد حكومة الحريري العتيدة قبل نهاية الشهر، ولا داعي لانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمركية، طالما بات موقف الإدارة الأمركية معروفاً، خاصة بعد بدء مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل، والإشارات الإيجابية التي صدرت عقب ذلك، اتجاه لبنان، من عدة مسؤولين أمريكيين، وطالما الاتفاق الأمريكي مع طهران بات جاهزاً، بانتظار الوقت المناسب للأعلان عنه.
بعد عام على الثورة التي أسقطت حكومة سعد الحريري، ها هو يعود مع «كلن يعني كلن»، وفي الذكرى الأولى لثورة، حلم الكثيرون أنها قد تفضي إلى لبنان جديد، لكنها تشضّت وتحولت ثورات «غب الطلب». وقد نتساءل عن عام ضاع من عمر لبنان واللبنانيين، دفعوا ثمنه غالياً من جيوبهم ودمائهم ومستقبل أبنائهم، وما زال القطيع يسير خلف المرياع، الذي يحمل ناقوس الطائفية، ويوهم الجميع أنه يحمي حقوقها، بتعيين روبوتاته وزراء ونواباً، ينوبون عن الشعب ويحكمون علينا باسم آلهة المذاهب، المطوبين ملائكة وقديسين.