#الثائر
د. ميشال الشمّاعي
جدّد البطريرك الرّاعي للأسبوع الخامس على التوالي دعوته إلى حياد لبنان الذي اعتبره المخرج الوحيد من الأزمة التي تتخبّط بها البلاد. والحياد وحده الذي يحمي الوحدة الداخليّة. هذا الثبات في الموقف ليس غريبًا عن تاريخ بكركي، صخرة لبنان، والمواقف الصلبة التي لا تتبدّل. فما هي الأبعاد التي طرحها غبطته؟ وهل ستلقى التجاوب المرتقب؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ غبطته في كلّ أسبوع يحدّد شيئًا جديدًا في موضوع الحياد ليوضح فيه ماهيّة هذا الطرح كي لا يبقى حوله أيّ شكّ، وكي لا يُحَمَّل كلامُه أبعادًا غير التي يقصدها. بناء عليه تدرّج غبطته في مطلبه هذا انطلاقًا من خمسة أبعاد، بدأها في عظة الخامس من تمّوز كالآتي:
• البعد الأوّل: خارطة طريق نظام الحياد
حدّد البطريرك في البعد الأوّل من طرحه الحياد خارطة الطريق التي يجب اتّباعها للوصول إلى الهدف انطلاقًا من ثلاث مراحل كالآتي:
- العمل على فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحرّ.
- نجدة لبنان الاقتصاديّة من الدّول الصديقة كما كانت تفعل كلما تعرّضَ لخطر.
- التوجّه إلى منظَّمة الأمم المتّحدة للعمل على إعادةِ تثبيتِ استقلالِ لبنان ووحدتِه، وتطبيق القرارات الدولية، وإعلانِ حياده.
• البعد الثاني: أسباب الحياد
في البعد الثاني تناول غبطته الأسباب الموجبة التي تتلخّص بالآتي:
- من أجل حماية لبنان ورسالته من أخطار التَّطوُّرات السِّياسيَّة والعسكريَّة المتسارعة في المنطقة.
- من أجل تجنُّب الانخراط في سياسة المحاور والصِّراعات الإقليميَّة والدَّوليَّة، والحؤول دون تدخُّل الخارج في شؤون لبنان.
- حرصًا على مصلحة لبنان العُليا ووحدته الوطنيَّة وسِلمِه الأهليّ، وفتح آفاقٍ واعدةٍ لشبَّانه وشابَّاته.
- للإلتزام بقرارات الشَّرعيَّة الدَّوليَّة والإجماع العربيّ والقضيَّة الفلسطينيَّة المحقَّة.
- للمطالبة بانسحاب الجيش الإسرائيليّ مِن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر، ولتنفيذ قرارات الشَّرعيَّة الدَّوليَّة ذات الصِّلة.
• البعد الثالث: مكاسب نظام الحياد
طرح غبطته في البعد الثالث المكاسب التي قد يؤمّنها هذا النّظام للبنان الدّولة التي باتت تشبه كلّ شيء إلا الدّولة. فهذا النّظام هو الكفيل بإرجاع الدّولة إلى جوهرها من خلال ما قد يحقّقه كالآتي:
- يحمي مصير لبنان من الضَّياع في لعبة الأمم، ومن أخطار العبث بهويَّته ونظامه.
- هو التَّرجمة السِّياسيَّة والدُّستوريَّة والسُّلوكيَّة للاعتراف بنهائيَّة لبنان.
- هو فلسفة وجودٍ وثقافة حياة، ونظام سلامٍ ووحدةٍ واستقرار.
• البعد الرابع: دور لبنان المحايد
في هذا البعد طرح غبطته الدّور الذي قد يلعبه لبنان بعد تحقيقه لنظام الحياد انطلاقًا من الآتي:
- الالتزام بالقضايا العامَّة: من سلام وعدالة وحقوق إنسان.
- التكامل مع طرح فخامة الرئيس في موضوع حوار الأديان والحضارات، والوساطة في النزاعات الاقليميّة والدوليَّة.
- لعب دور المشرف أو Moderateur على وحدة الدول العربيَّة، والقضيَّة الفلسطينيَّة.
- صدّ الممارسة العدائيَّة من إسرائيل تجاه أهل فلسطين، وأرضهم، وحقوقهم، وتجاه لبنان، وأي بلد آخر؛ وذلك عبر المؤسسات الدستوريّة والأمنية والعسكريّة في نظامه السياسي.
- إستعادة دوره التاريخي كجسر بين الشرق والغرب على المستوى الثقافي والاقتصادي والتجاري الذي يمليه عليه موقعه الجغرافيّ على ضفَّة المتوسّط، ونظامه السِّياسيّ بمكوّناته الدينيَّة والثقافيَّة، واقتصاده اللِّيبراليّ، وانفتاحه الديمقراطيّ.
• البعد الخامس: نهضة وصون لبنان في الحياد
في البعد الخامس أشار غبطته إلى ثلاث قضايا متكاملة ومترابطة وغير قابلة للتجزئة يؤمّنها نظام الحياد للبنان كالآتي:
- عدم دخول لبنان قطعًا في أحلاف ومحاور وصراعات سياسيَّة، وحروب إقليميَّة ودوليَّة. وامتناع أيّ دولةٍ عن التدخُّل في شؤونه أو اجتياحه أو احتلاله أو استخدام أراضيه لأغراض عسكريَّة.
- لبنان المحايد يستطيع القيام بدوره في محيطه العربيّ، وهو درو مميز وخاص وتحقيق رسالته كأرض التَّلاقي والحوار بين الديانات والثقافات والحضارات.
- تعزيز الدولة اللُّبنانيَّة لتكون دولةً قويَّةً عسكريًّا بجيشها، تدافع عن نفسها بوجه أيِّ اعتداءٍ، اكان من إسرائيل أو من أيِّ دولةٍ سواها؛ ولتكون دولةً قويَّةً بمؤسَّسَاتها وقانونها وعدالتها ووحدتها الداخليَّة، فتوفِّر الخير العامّ وتعالِج شؤونها الداخليَّة والحدوديَّة بذاتها.
هذه الأبعاد الخمسة استخلصناها من العظات التي بدأها غبطته من الخامس من تمّوز المنصرم؛ فمن لم يقرأ بعد أنّ بكركي ماضية قدمًا في وضع أسس هذا النّظام لقد تأخّر كثيرًا. بكركي قالت كلمتها ومشت. وهي قدّمت للبنانيين والعالم أسس النّظام التي طرحته حيث إنّها لا تكتفي بالكلام للكلام. من هذا المنطلق، سنشهد في الأيّام القليلة القادمة انطلاق بكركي بعد شبه الاجماع الذي حقّقته في لبنان إلى المرجعيّات العربيّة والدّوليّة لتحقيق هذا الطرح. وقد نشهد هجومًا بالواسطة من حلفاء حزب الله، الرافض بسلاسة لطرح بكركي، حفاظًا على ماء الوجه لأنّه لا يريد نقل الصراع من سياسي إلى حضاري.
من هذا المنطلق، فات معارضو الحياد اليوم أنّ زجّهم للبنان كلّه في سياسة محورهم الايراني لا إجماع حولها. لذلك بكركي لا تنتظر إلا إجماع العقلاء وهذا قد تمّ. ومن له أذنان للسماع فليسمع.