#الثائر
كتبت صحيفة "الأخبار" تقول: تهم واشنطن الحكومة اللبنانية بأنها رهينة حزب الله ، بينما تتخذ هي من الاقتصاد اللبناني رهينة لإجبار الدولة والمجتمع على دفع فدية مقدارها الانقلاب على المقاومة. وآخر فصولها الضغط على باريس وصدّ اندفاعتها لمساعدة لبنان وتهديد استثماراتها حول العالم، وفرض معادلة "لا نفط ولا أموال طالما حزب الله في الحكومة"
لا تريد واشنطن للبنان أن تقوم له قائمة، ما دامَ حزب الله فيه. خلاصةٌ لم تعُد سرّاً، بعدما تكفّل المسؤولون الأميركيون الواحد تلوَ الآخر، بإشهار الشروط المطلوب من الدولة اللبنانية أن تلبيها، مُقابِل وعد بانتشال البلاد من الانهيار. الوجهة التي عبّر عنها هؤلاء، وضع أسسها وزير الخارجية مايك بومبيو يوم 22 آذار 2019، يوم هدّد اللبنانيين وطالبهم بمواجهة حزب الله، كشرط من شروط "المضي قدماً كشعب أبيّ". هذه الوجهة ازدادت وضوحاً بعد تأليف حكومة الرئيس دياب. ففي اليوم التالي لصدور مراسيم التأليف، بشّر بومبيو اللبنانيين بـ"أزمة مالية رهيبة"، رابطاً مساعدات بلاده "باستعداد الحكومة اللبنانية لاتخاذ إجراءات لا تجعلها رهينة لحزب الله"... وتحتَ العنوان ذاته، تحدّث مساعده ديفيد شينكر عبر موقع "الهديل" منذ أيام، قبل أن يُجدّد بومبيو تهديداته بأن المُساعدات التي يُريدها لبنان، ثمنها الانقلاب على حزب الله.
يحارُ الأميركيون من أينَ يضغطون في هذا الاتجاه. ظهر ضغطهم في الميدان من خلال دفع بعض المجموعات لإثارة موضوع نزع سلاح المقاومة وتطبيق القرار 1559، قبلَ تدشين قانون "قيصر" الذي سرَى مفعوله منتصف الشهر الجاري، ويَفرض عقوبات على كل مَن يقيم علاقات تجارية أو يدعم الدولة السورية، وسطَ تخبّط رسمي لبناني في التعامُل معه. في الوقت عينه، تقف واشنطن في وجه أيّ مبادرة لبنانية في اتجاه الشرق، وتُجنّد كل ماكيناتها السياسية والإعلامية والمدنية عبرَ موقِف موحّد ينتقِص من أهمية هذا الخيار لمقاومة نتائج الأزمة المالية - الاقتصادية. ولا يقِف الأميركيون عند حدّ في ابتزازهم وتهديداتهم للبنانيين والعرب الممنوعين بطبيعة الحال من مدّ اليد للبنان. ثاني الخطوط التي تعمَل عليها الإدارة الأميركية هو الأوروبيون، وتحديداً فرنسا. معروف عن الأخيرة، ومنذ اشتداد الأزمة، رغبتها في عدم انهيار لبنان، انطلاقاً من اعتبارات خاصة بها في منطقة الشرق الأوسط. وهذه الرغبة هي التي دفعَت بالأميركيين إلى التدخّل لكبح جماح باريس.
بحسب ما علمت "الأخبار" فإن مسؤولين أميركيين، على مستوى عالٍ في الإدارة، بدأوا نقاشات مع الفرنسيين بهدف صدّ اندفاعتهم. وتحدّث الأميركيون بكلام مباشر وصريح، مُلخّصين موقفهم من لبنان بالقول بأن "لا استخراج للنفط في لبنان ولا مساعدة من صندوق النقد الدولي في عهد الرئيس ميشال عون أو وجود حزب الله في الحكومة". على أن أكثر ما استوقف الفرنسيين هو تدخل الأميركيين في تفاصيل عملية التنقيب عن الغاز في البحر. شركة "توتال" الفرنسية تُشارك في عملية التنقيب عن الغاز في البحر اللبناني، إلى جانب شركتيْ "إيني" الإيطالية و"نوفاتيك" الروسية. وهي الشركة التي لا تزال الدولة الفرنسية تملك حصة (صغيرة) فيها، ويتم التعامل معها بوصفها "الشركة الوطنية الفرنسية" للنفط وإحدى ركائز السياسة الخارجية الفرنسية. من هذه "اليد" تمسِك واشنطن بفرنسا التي تدخّلت لدى الأميركيين والسعوديين لمساعدة لبنان وجرى تجاهلها ووصل الأمر بالجانب الأميركي إلى حدّ الطلب بأن "تكتفي توتال بالتنقيب داخل البلوك رقم 4، بحجة أن فيه كميات تجارية تُغني عن التنقيب في بلوكات أخرى"، وهو ما تبلّغته مراجع سياسية عليا في بيروت. لعل أخطر ما يمكن استخلاصه من هذا الطلب، منع لبنان من التنقيب في البلوكات الجنوبية القريبة من الحدود مع فلسطين المحتلة، بذريعة منع أي توتر مع إسرائيل. وهدّد الجانب الأميركي فرنسا بأن "عدم الامتثال لهذا الأمر سيكلفها خسارات في أماكن أخرى في العالم لها وللشركة"!
هذا الجو يتأكّد يوماً بعدَ يوم من خلال تصريحات المسؤولين الأميركيين وآخرهم السفيرة الأميركية في بيروت دوروتي شيا التي قالت أمس إن "حزب الله سيطر على الحكومة الحالية" برئاسة حسّان دياب، منتقدة الحكومة لكونها لم تقم حتى الآن بالإصلاحات الموعودة. وأكدت دعم بلادها لأي "حكومة مستقلة بدون سيطرة"، مشدّدة على وجوب أن تتألف من اختصاصيين. هذا التصريح سبقته محاولات فرنسية لتمرير المطالب الأميركية في بيروت، بذريعة "البحث عن مخارِج للالتفاف على الضغط الأميركي". يُحاول الفرنسيون عدم إغضاب أميركا حفاظاً على استثماراتهم، ويسعون إلى "مخارج" يُمكنها المواءمة بينَ ما تريده واشنطن وما يُمكن أن يقبل به الحزب من وجهة نظر باريس. الأخيرة تجسّ النبض لجهة إمكان الذهاب إلى حكومة جديدة، يرأسها على الأرجح الرئيس سعد الحريري، لكن بوزراء غير حزبيين، على أن يتعهّد رئيس الحكومة (الحريري أو غيره) بعدم إشراك أسماء وزارية مستفزّة لحزب الله، إضافة إلى تأمين حاجات سياسية إلى الحزب. وللمفارقة، فإن هذا الطرح سبقَ وأن تمسّك به الحريري نفسه، إبان المفاوضات معه لتأليف حكومة جديدة بعدما استقال بضغط سعودي - أميركي بحجة الاستماع لمطالب الشارع بعد 17 تشرين. وتقول مصادر معنية إن اصرار الحريري كان نابعاً من علمه بأن "أي حكومة يرأسها ويشارك فيها الحزب لن تحصل على أي مساعدة، وكان مصيرها ليكون كمصير حكومة دياب التي تتخبّط داخل دائرة مقفلة في بحثها عن توافق مع صندوق النقد الدولي، أو التوصل إلى خطة إنقاذية لمنع التدهور الحاصل، ناهيك بالضغط الخارجي الذي تواجهه".
هذه الفكرة المحفوفة بعلامات استفهام كثيرة حول تداعياتها المحتملة على الساحة اللبنانية، حتى الآن ليسَ من الواضح بأن طريقها ستكون مُعبّدة. فثمة من سيعتبرها تنازلاً في إطار المعادلة التي وضعها الأميركيون "إما الجوع والانهيار، وإما التنازل عن سلاح حزب الله، إلى جانب عدد من المطالب، أبرزها ترسيم الحدود مع فلسطين وفق القواعد الأميركية"، وهي المعادلة التي لن تقبَل المقاومة بها وقد استبقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بقوله: "من يرِد أن يجوّعنا... سنقتله".