#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
قيصر هو الأسم الرمزي لمصوّر من الشرطة العسكرية السورية، إنشقّ عن النظام عام ٢٠١٣، وقدّم آلاف الصور التي توثّق عمليات القتل والتعذيب في السجون والمستشفيات السورية. تبنّى المجلس السوري الأميركي تلك الوثائق، وسعى إلى استصدار قانون لمحاسبة النظام، تحت عنوان حماية المدنيين السوريين.
لم تنجح مساعي تمرير القانون رغم عرضه أكثر من مرة على الكونغرس الأميركي، لأن إدارة الرئيس أوباما كانت تحاول مساومة النظام السوري على منطقة شرقي الفرات، وترغب في التفاوض. وبقي القانون عالقاً حتى أُقرّ في كانون الثاني 2019 ووقعه الرئيس ترامب، ليصبح نافذاً اعتباراً من 17 حزيران الجاري. فلماذا إقراره الآن؟ .
في نظرة دقيقة وسريعة على القانون، نجد أنه يستهدف نظام الرئيس السوري بشار الأسد وليس الشعب السوري، بحيث ستُفرض العقوبات على كافة الشركات والمؤسسات والأفراد، الذين يُقدّمون دعماً للنظام، أكانوا سوريين أم أجانب. وبشكل أكثر تفصيلاً فإنّ العقوبات ستطال كل من يتعامل مع المؤسسات الرسمية للدولة السورية، وكل من يقوم بتقديم أية مساعدة مادية أو تقنية للنظام .
ستشمل العقوبات بشكل أساسي ومباشر قطاع الإنتاج السوري، خاصة في مجال النفط والغاز، وهذا طبعاً أهم أسباب إصدار القانون الآن. فبعد أن قررت روسيا مد خط بترول من سوريا عبر تركيا إلى أوروبا، مضافاً إلى خطي السيل والبحر الأسود، ستتمكن من إحكام قبضتها من خلالهم على تزويد أوروبا بالغاز. ومع بدء الحديث عن اقتراب موعد إعادة الإعمار، قررت الولايات المتحدة الدخول على خط التفاوض هذه المرة، من باب العقوبات والتهديد .
ما لم يلاحظه الكثيرون، أن قانون قيصر يسمح للرئيس الأميركي بوقف تنفيذه أو تخفيف العقوبات عندما يشاء، في حال لمس إيجابية في التعاطي من قِبل النظام السوري، أو إذا كان ذلك يخدم الأمن القومي الأميركي، كما جاء في نص القانون. وهذا يعني أن الهدف الأول للقانون، هو إجبار روسيا وإيران والرئيس الأسد على التفاوض مع الأميركي، لتقرير مسار المرحلة القادمة في سوريا والمنطقة .
أما السبب الثاني لإصدار هذا القانون فهو إنتخابي. فالرئيس ترامب يسعى الآن لإظهار جدّية في محاسبة إيران وتقليم أظافرها في سوريا، وسيتبع هذا القانون قريباً صدور عقوبات جديدة على طهران، ويأمل طبعاً أن يحصل على الدعم الكامل من قِبل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية .
تُشير كافة الترجيحات إلى عودة الرئيس ترامب في الإنتخابات القادمة، فخصمه كما يصفه هو في تصريحاته، ضعيف ومُثقل بالفضائح وتُهم الفساد. وبالتالي فإن ترامب عازم بعد انتخابه، على بدء التفاوض في ملفات شرق أوسطية عديدة، وإن كان قد أسند بعضها مؤقتاً إلى الرئيس اردوغان؛ كدعم حكومة الوفاق في ليبيا، أوحماية المسلحين في أدلب، أو حماية قطر .
أثار قانون قيصر هلعاً في الداخل السوري، خاصة لجهة تجفيف مصادر الأموال، فقفز الدولار في السوق السوداء إلى اكثر من 3000 ليرة ، رغم أن السعر الرسمي هو 700 ليرة، وحتى في لبنان عاد الدولار يتحرك صعوداً، خوفاً من تداعيات قانون قيصر على الأوضاع .
لن يتأثر لبنان كثيراً بقانون قيصر، فالمصارف اللبنانية التزمت منذ 2011 بالعقوبات والتعاميم الأميركية، ولم يعد لها فروع في سوريا بل مساهمات في 7 بنوك سورية فقط. وحجم التبادل التجاري الذي تراجع بفعل الحرب إلى حوالي 600 مليون دولار بين البلدين، هو بنسبة كبيرة منه، مع أفراد وشركات سورية غير حكومية، وقد لا تكون مشمولة بالعقوبات .
وأما إعادة الإعمار التي يُحكى عنها، فهي تحتاج إلى الكثير من الأموال الغير متوافرة حالياً لا في روسيا ولا لدى إيران. ومن الواضح أن الدول القادرة على تقديم المساعدات، أكان العربية أو الأوروبية، هي غير جاهزة الآن، ولذا باتت العملية مؤجّلة إلى ما بعد التفاهمات الكبرى، التي قد تبدأ طلائعها مع بداية العام القادم، وبالأنتظار سنشهد جموداً سياسياً، مقابل تصاعد جديد في حدّة الأزمة الاقتصادية وموجات من العنف والغلاء .