#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
لا تحتاج الحكومة إلى تقديم استقالتها كي تسقط، وتتحول إلى تصريف الأعمال. فيكفي أن تفشل في إيجاد الحلول اللازمة، للأزمات المتراكمة، وتتخبط في اتخاذ القرارات، بحيث تتخذ قراراً، ثم تعود عنه قبل أن يجف حبره، لتفقد ثقة الشعب والمجتمع الدولي.
خسر الرئيس حسان دياب معركة غير مدروسة، مع حاكم المصرف المركزي، وأثار زوبعة غير محسوبة مع الطائفة الأرثوذكسية، فارتدت عليه سلباً، ثم سقطت الحكومة مجتمعة وبالضربة القاضية في ملف الكهرباء ومعمل سلعاتا .
خسر الرئيس دياب أخر المدافعين عنه في الطائفة السنية، بعد أن اتهمه قادتها بالتخلي عن صلاحياته، وجعله الرئاسة الثالثة ألعوبة في يد بعض الأطراف السياسية. وخسرت الحكومة ثقة الشعب، بعد فشلها في تحقيق أي انجاز ملموس .
التهريب مستمر عبر معابر غير شرعية لكنها مشرّعة في وضح النهار، وتُكلّف الدولة اللبنانية أكثر من خمسة ملايين دولار يومياً. وملفات الفساد مكدّسة، لكن يتم فتحها غب الطلب، ثم يتم إقفالها بسحر ساحر ودون محاسبة أحد .
فشلت الحكومة في إنجاز التعينات، من نواب حاكم المصرف المركزي، إلى هيئة الكهرباء، ومجلس الخدمة المدنية، ومحافظ بيروت، ورئيس الشرطة القضائية، والكثير غيرهم .
وفشلت في ضبط الصرافين والمصارف، والتلاعب بالعملة، ووقف المحاصصة ومشاريع الهدر والإنفاق غير المجدي، من فاطمة غول إلى سد بسري .
وفشلت في تمرير التشكيلات القضائية، وتحقيق استقلالية القضاء، والأهم أنها فشلت في تحسين صورة لبنان وعلاقاته الدولية والعربية وجلب المساعدات، فاقمت الأزمة بدل أن تعالجها. فهل بعد هذا كله هي أكثر من حكومة تصريف أعمال؟ وشمّاعة الإفلاس وانهيار الدولة؟
الجميع في لبنان يريد مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، ويُتحفنا بخطاباته ومحاضراته عن العفة ونظافة الكف، ومشاريع الإصلاح، وفي المحصلة لم تتمكن الدولة من إيجاد فاسد واحد، ولم ولن تستعد فلساً واحداً من الأموال المنهوبة .
لقد أصبحت المناصب والمصالح الشخصية أهم من الوطن ومصلحة الشعب، وبات زعماء الأمة يخشون الجماهير إذا تقاطرت نحو قصورهم، فسدّوا ابوابها بالأسلاك الشائكة، واختبأوا خلف صفوف العسكر والأزلام.
وعدوا الشعب بحكومة مستقلين، وتبنّي مطالب الثوار، والإصلاح، واستعادة الأموال المنهوبة، والكثير الكثير، ليتبين لاحقاً، أن الحقيقة مغايرة تماماً. فانهارت العملة، وخسر الموظفون أكثر من ثلثي قيمة رواتبهم، بينما الحكومة تكمّ أفواههم بالحجر الصحي، وتشغلهم بالخوف من الوباء، لتمنع نزولهم الى الشارع .
والأنكا من ذلك كله، أن جميع القوى السياسية مرتاحة لما جرى. فأي حكومة كان بامكانها الغاء مفعول سلسلة الرتب والرواتب بهذا الشكل؟ ومن كان يجرؤ على التلويح بتعويم الليرة، وتحرير سعر الصرف؟
لقد اتفق الجميع على إسقاط الحكومة في مقصلة الإتهام، وتحميلها كامل تبعات الأزمة. ولم يتركوا لها حتى القليل من الحرية في اتخاذ أي قرار، أو محاسبة، على الأقل لحفظ ماء الوجه، بل جعلوا منها كبش فداء، يرجمونه جميعاً، ويختبؤن خلفه، ليُقال عنهم يوماً ما، أنهم أبرياء، ووحدهم قادرون على الإنقاذ .
سيفشل الرهان على إثارة العصبيات، وسيفشل الرهان على خداع الناس، ولن تكفي الخطابات والإطلالات المدفوعة على شاشات التلفزة، لتلميع صورة البعض، الذين سقطوا في التجربة، وسقطت مصداقيتهم، ولن يغفر لهم الشعب، ولن نسكت عنهم في «الثائر» بعد اليوم .