تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
كأن الشقاء مكتوب على أهل الجنوب، كأنه قدرهم طالما على تخوم أرضهم عدو متربص.. أحد أوجه الشقاء هو أن تقتلعهم الحرب من بيوتهم وأرزاقهم، وتذهب بهم إلى وجهة يجهلون أين تكون، وكيف ستكون.
هكذا بدا المشهد منذ صبيحة الاثنين وبدء رحلة الوصول إلى بر أمان مفترض، إذ نزح تحت وابل الغارات الإسرائيلية العنيفة على الجنوب عشرات الآلاف.
وضاقت طرقات الجنوب بالسيارات التي سلكت مسارا سلحفاتيا ثقيلا برره وزير الداخلية بسام مولوي بكلام استهجنه كثيرون، إذ قال إن «طرقات لبنان غير جاهزة لاستيعاب هذا الضغط الكبير»، وأفادت الأرقام الرسمية بأن عدد النازحين هو 17 ألفا و200 نازح، فيما عدد مراكز الإيواء 146 بين مدارس ومراكز أهلية.
وقال أحد المراقبين الذي عايش كل حروب لبنان لـ «الأنباء»: «حجم الذين غادروا أقضية الجنوب التالية: مرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل والنبطية وصور والزهراني كان غير مسبوق. حتى في عز الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في العام 1982 وفي حرب يوليو 2006 لم ينزح هذا الكم الهائل من الجنوبيين في يوم واحد.
لهذا السبب استغرقت رحلة النزوح من الجنوب إلى بيروت أقله عشر ساعات، فيما تطلبت مع آخرين 16 ساعة لبلوغ العاصمة، مقابل من بات ليلته في السيارة. وهناك من عجز عن تأمين زجاجة مياه لأولاده أثناء رحلة العبور، لاسيما أن المحال التجارية المنتشرة على الطرقات فرغت من المأكل والمشرب لكثافة الطلب».
وإذا كانت العاصمة بيروت مع جبل لبنان أكثر وجهة انتقل اليها نازحو الجنوب، حيث لحظت خطة الطوارئ الحكومية الأخيرة مراكز إيواء لهم خصوصا في المدارس والمعاهد الرسمية، فإن ثمة من آثر البقاء في البقعة المجاورة وتحديدا في مدينة صيدا وقضائها الذي لم يتعرض سوى لضربات إسرائيلية قليلة.
راعي أبرشية صيدا للموارنة المطران مارون عمار تحدث لـ «الأنباء» عن «هلع كبير أصاب الجنوبيين جراء الغارات الإسرائيلية الكثيفة، ما جعل الطرقات تكتظ بقسم كبير منهم لقصد المناطق الآمنة».
وإذ أبدى الاستعداد لاستقبال من يرغب منهم في صيدا، قال «قصد البعض أقرباء له في صيدا وتحديدا في بلدات مثل المعمرية وصربا، والتنسيق جار مع كل فاعليات صيدا للتأهب لأي ظروف أخرى محتملة».
وأضاف «نحن حاضرون ومستعدون لأي نوع من المساعدة وما من مكان مقفل أمام أهلنا، علما أن ضواحي صيدا وخط جزين كانا عرضة للقصف العنيف كالغازية والقريه وبسنيا وجباع».
وعما إذا كانت كنائس المنطقة وأديرتها قد استقبلت نازحين، قال المطران عمار «إن هذه الأماكن لم يتوجه اليها أحد حتى الآن، لكن البعض قصد مدرسة في بلدة المعمرية تابعة للكنيسة.
وفي صربا ثمة من مكث في القاعة الملحقة بالكنيسة»، وأضاف «نحن نتعامل مع الوضع كل ساعة بساعتها وكل لحظة بلحظتها. وكلما طرأت حاجة، ننظر في كيفية تلبيتها».
أما راعي أبرشية صيدا للكاثوليك المطران إيلي حداد، فأكد بدوره لـ «الأنباء» أنه «جرى فتح المدارس والقاعات الكبيرة لأهالي الجنوب ولاسيما من المسيحيين منهم»، وأضاف «هناك من لا يزال مترددا بين التوقف والإقامة في صيدا المعرضة أيضا للاعتداءات، أو التوجه إلى بيروت أو أي مكان آخر.
لكننا بالتأكيد أعلنا كرجال دين عن فتح مدارسنا وأماكننا المتاحة. وبالتوازي هناك ايضا من يستقبلون عائلات بطريقة حبية، وبالتالي الجو أخوي حتى اليوم».
وإذا كانت خطة الطوارئ الحكومية قد لحظت من خلال الهيئة العليا للإغاثة تقديم المساعدات الغذائية والفرش والأمتعة للنازحين، فإن التحرك الرسمي كما يبدو ليس حتى اليوم بحجم الحرب وتداعياتها الكارثية.
لذا يبقى التعويل على نصرة اللبناني لأخيه وقت الشدة، بدليل أن بعض المبادرات الفردية بدأت تنشط من خلال الإتيان بالخبز والطعام لقاطني مراكز الإيواء.
وصحيح أن ما يجول بحق في فكر النازحين وما يسكن قلوبهم يظل في سرهم، لكن ما يخرج أقله من الأفواه عنوانه من عنوان أغنية السيدة فيروز :«راجعون».
المصدر - الأنباء الكويتية