تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
تتهم بعض القوى السياسية اللبنانية والعربية حزب الله، بأنه يخدم مصالح إيران. حتى أن البعض يطلق عليه صفة "حزب إيران" في محاولة لنزع الصفة اللبنانية عن الحزب، والتأكيد أنه لا يهتم بمصالح لبنان واللبنانيين، وأنه يخوض حروباً للدفاع عن مصلحة ايران ودورها في الشرق الأوسط، وأن إيران تستخدم الحزب للمساومة عليه مع أمريكا وإسرائيل.
ويُلقي أصحاب هذا الرأي بالمسؤولية على حزب الله، ليس فقط عن الحرب مع إسرائيل، بل عن كل الأزمات التي تعصف بلبنان، بدءاً من الشغور الرئاسي، والأزمة الاقتصادية والمالية، وفوضى السلاح، وغير ذلك.
الانقسام في لبنان ليس جديداً، لكن طبيعة النظام الطائفي، جعلت الدولة دويلات، وقطاعات طائفية، وباتت المصلحة الطائفية فوق مصلحة الوطن، حتى أن الوطن بمفهومه التقليدي والشعور بالوطنية، بات يختفي لمصلحة الولاء للطائفة، فضعفت الدولة، وترهلت مؤسساتها، وتحوّلت كل طائفة إلى كيان شبه مستقل ودولة بحد ذاتها.
بالعودة إلى عنوان المقال، يبدو أن البعض يحاول تجاهل بعض الحقائق، التي لا تحتاج إلى توضيح كبير، بل فقط للتفكير بشكل منطقي وموضوعي، ومن منطلق وطني عربي، بعيداً عن منطق التخوين والكراهية والتعصب.
أولاً لقد كانت إيران في زمن الشاه على وئام مع أمريكا وإسرائيل، وكانت تلعب دوراً مهماً في المنطقة، وتلقى الدعم المطلق من دول الغرب، وكانت تجارتها مزدهرة، لكن شعبها كان في حالة من الفقر، بسبب الفساد الذي كان مستشرياً في الإدارات العامة، واستغلال الشركات الأجنبية لثروات إيران.
على الجانب اللبناني أقدمت إسرائيل في عام 1948 على تصدير الأزمة الفلسطينية إلى دول الجوار، فقتلت الفلسطينيين ودمرت بيوتهم وقراهم، وهجّرت القسم الأكبر منهم إلى عدة دول، ونال لبنان نصيبه من الاعتداءات الإسرائيلية واللاجئين.
ثم كررت إسرائيل فعلتها عام 1967 وأصبح لبنان منخرطاً رغماً عنه في القضية الفلسطينية، وفي الصراع العربي الإسرائيلي، الذي قاده جمال عبد الناصر، قبل أن يتم اغتياله (على يد أنور السادات، وفق ما أشار إليه محمد حسنين هيكل في إحدى مقابلاته).
حاول لبنان أن يتجنب تداعيات هذا الصراع والانخراط به، لكن أطماع أميل البستاني (قائد الجيش آنذاك) بمنصب رئاسة الجمهورية، دفعته إلى التوقيع على اتفاق القاهرة عام 1969 والذي شرّع وجود السلاح الفلسطيني على الأراضي اللبنانية.
منذ ذاك الحين، بات لبنان دولة مواجهة حقيقية مع إسرائيل.
رفع بيار الجميل مقولة "قوة لبنان في ضعفه"، واستناداً إلى هذا الشعار لم يتم تسليح الجيش، وبالتالي بقي الجيش ضعيفًا، وعاجزاً عن حماية الحدود ومواجهة إسرائيل، وحتى عاجزاً عن مواجهة التجاوزات الفلسطينية وضبط الأمن، مما سمح بانتشار السلاح بكثافة، فوقعت الكارثة وكانت الحرب الأهلية.
شنت إسرائيل عدوانها الأول على لبنان عام 1978، ثم كررت الأمر واجتاحت العاصمة بيروت عام 1982، وخرجت منظمة التحرير الفلسطيني من بيروت، وبقي الاحتلال حتى عام 2000 عندما خرج تحت ضربات المقاومة.
لم تنتهِ مشاكل لبنان بخروج ابو عمار، واستمر الانقسام الداخلي على حاله، وانخرطت الأحزاب الوطنية في مقاومة الاحتلال، فيما كانت أحزاب الجبهة اللبنانية على وئام مع الإسرائيلي.
في البداية سادت الفوضى في عمليات المقاومة، مما تسبب بفشل وخسائر كبيرة، كما أن موارد دعم المقاومين كانت ضعيفة.
مدت سوريا وإيران يد العون للمقاومة اللبنانية، وشيئاً فشيئاً تنامت قوة حزب الله، ليصبح الفريق الأكثر تنظيماً وقوة وتأثيرًا بين فصائل المقاومة.
دفعت إيران ثمن دعمها للمقاومة اللبنانية. فتم فرض العقوبات عليها ومحاصرتها، وبدأت حملة تأليب العرب ضد إيران، والترويج إلى وجود مطامع إيرانية في الدول العربية، وخاصة في لبنان.
لم تستفد إيران عملياً بشيء من دعمها لحزب الله، وجماعات المقاومة ضد إسرائيل، لكنها استندت في دعمها إلى العامل الايديولوجي، في العداء لإسرائيل ونصرة القضية الفلسطينية، وشعار تصدير الثورة، لمناهضة سياسة الاستغلال الأمريكي والغربي لخيرات شعوب ودول المنطقة، كما أنه حتى اليوم، لم ينفذ حزب الله أي عملية لصالح إيران أو دفاعاً عنها.
حتى عندما ضربت إسرائيل أهدافًا إيرانية، لم يرد حزب الله، بل قامت إيران بالرد بنفسها، وآخر تلك العمليات ما حصل في الرد على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق.
من الواضح والجلي جداً، أن اصل الصراع عربي إسرائيل، وبين لبنان وإسرائيلي، وليس بين إيران وإسرائيل. فإسرائيل لم تحتل أراض ايرانية، بل احتلت أراض عربية ولبنانية.
انطلاقًا من هذا الواقع، من واجب المقاومة ولبنان، أن تشكر إيران على دعمها، في إنجاز التحرير وتحقيق الانتصار على إسرائيل عام 2000، ثم في 2006، وصولاً إلى المعركة اليوم.
روّجت أمريكا وإسرائيل شعار "أذرع ايران" في محاولة لتضليل الرأي العام العربي، وجعله يقف ضد حركات المقاومة المعادية لإسرائيل، باعتبارها تدافع عن مصالح إيران، وليس عن قضية عربية جوهرية، تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة.
من المعروف من هي الدول المذنبة بخلق إسرائيل، وما ارتكبته من جرائم بحق الشعوب العربية، منذ أكثر من 75 عاماً.
وإذا كانت بعض الدول العربية، أسقطت راية العداء لإسرائيل، فهذا ليس ذنب إيران، التي تدعم حقوق الشعب الفلسطيني، وتقدم الدعم لحركات المقاومة، لاستعادة الحقوق وتحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني.
لم تكن إيران لتلعب هذا الدور لو لم يتخلَ العرب عن واجبهم في دعم حقوق الشعب الفلسطيني ومقاومته، أما وقد حدث ما حدث، فلا يجوز لعربي أن يتهم إيران وحركات المقاومة، بما تروّج له إسرائيل والغرب من دعاية كاذبة، ومحاولات لتشويه صورة المقومة، ونزع صفة العروبة والوطنية عنها، محاولين إلحاقها بإيران.
والأهم من ذلك كله، أن حركات المقاومة هي تحتاج إلى إيران والدعم الإيراني، وليس لعكس.
وإيران اليوم هي من يخدم قضية العرب الأساسية، وتدفع ثمن ذلك، وثمن العداء لأمريكا وإسرائيل.